السبت، 25 أبريل 2015

الحجاب..فصل الخطاب في زمان الفتن 1

يقول رسول الله "إذا لعن آخر هذه الأمة أولها..فمن كان عنده علم فليظهره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد"..لقد صدق الرسول وتغير الزمان ولعن أخر الأمة من جاءوا في بدايتها..فتوجب إظهار العلم خاصة في هذا الزمان الذي لم يعد كثير من الناس يهتم بالعلم..بل لم يعد لأحد رغبة في السماع من شيخ أو عالم..لإنتشار الفتن وإختلاف الناس في المذاهب والأهواء..قديماً في عصر التنزيل كان الناس يستمعون للنصوص بكل جوارحهم لما للنبي عندهم من مكانة ولما عندهم من فهم صاف للنصوص ببساطة ومعرفة للغة فلم يكن النبي يحتاج إلى شرح النص..بل كان يقرؤه النبي على الناس ولا يكاد يتجاوز التلاوة حتى يبدأ الناس في التنفيذ..فلم نسمع أن النبي جادل أو شرح وأفاض في إقناع الناس..ربما فقط يفسر كلمة أو يصلح معناها عند الناس بما ييسر الأمر أكثر عليهم..وكانوا متقبلين للأحكام على ما هي عليه في كل حال..ما أمر الله به ورسوله كان أمراً محسوماً..و"ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم"..ولم يكن عندهم فرض و واجب و مندوب ومستحب..بل كل ما أمر به الرسول فهو واجب النفاذ..وقد علموا أن النبي جاء برفع الإصر عن الأمة فما أمر به رفع به إصراً ووضع به حداً وفتح به باباً للجنة وأغلق به أبواباً للجحيم..ولكن تطاول الزمان وإنتشرت الفتن وأكثر الناس من الجدل وعلم الكلام..وقل العلماء الذين يتدينون بما يعلمون..
في هذه السطور نتناول بعض الحقائق المعروفة والغائبة عن الحجاب وبعض أكبر الشبهات حول الحجاب ونسأل الله أن يكون كلاماً فصلاً في المسألة..
بدايةً يجب أن نعرف أن الحجاب الذي نزل في القرآن لا علاقة له بما نتجادل حوله اليوم..فكلمة الحجاب ذكرت في القرآن بمعني الساتر أو الحاجب..كقول الله "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب"..أما الذي نتجادل حوله في هذا الزمان..فإنما نزل في القرآن تحت إسم "ستر الزينة" أو "الخمار"..فالحجاب في حقيقته هو ستر الزينة بالكلية والتي منها "الشعر"..فغطاء الرأس هو فقط جزء من كل..وهو شيء من الزينة يجب ستره مع باقي الزينة..ولكن تم إختذال هذا المسمي "الحجاب" من معناه بمعنى الساتر..و معنى "ستر الزينة" إلى تعريف ضئيل وهو غطاء الرأس..ثم بدأ المجادلون الذين إختذلوه في الإلحاح علي أن تغطية الرأس لم ترد نصاً وأن تغطية الشعر موروث وعادة..وكثير من هذا الخلط والإلتباس..ومن ثم يجب خلع غطاء الرأس..أو على الأقل لا نطالب به بناتنا ونساءنا..وهنا نعطي مزيداً من التفصيل بالقرآن- فقط -وليس إستناداً إلى السنة لأن منكري الحجاب هم من منكري السنة أو على أقل تقدير ممن لا يقدروها حق قدرها..فرأيت أن إلزام الحجة وتبيين المحجة يكون بالقرآن فقط حتى تقوم الحجة والبيان على من أنكر ولا يجد عذراً واهماً أمام نفسه من ضعف حديث أو ظنية ثبوت..ليحيا من حي عن بينة..
الأيات في القرآن  1- "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة النور 31
2- "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" النور 60
3- "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" الأحزاب  32
4- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا " الأحزاب  53
5- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" الأحزاب  59
هذه الآيات الكريمة السابقة هي الآيات التي نزلت صراحة تتكلم عن ستر الزينة والإحتجاب في القرآن..ولعل الإلحاح المتكرر في القرآن على ستر الزينة وإحتجاب النساء عن الرجال كان يكفي ولكن نحتاج اليوم أن نشرح هذه الآيات البينات الواضحات لمن ليس عندهم قوة في اللغة العربية
بدأ الله سورة النور..بقوله "سورة أنزلناها وفرضناها " وهذا الكلام يعني أن كل ما يأتي في السورة هو فرض عين على الأمة لا يحل لأحد أن يتخلى عن الإلتزام به..فكان الأحرى بمن أنكر ستر الزينة..أن يتأنى قبل الإندفاع بغير دليل..ففي الآية 30 قال الله للنبي "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" ثم في الآية 31 قال له "قل للمؤمنات " فسياق الآيات واضح والخطاب فيه شديد الجلاء..موجهٌ لعموم الناس الذين يصفون أنفسهم بالمؤمنين والمؤمنات..فليس في الآية تخصيص لزوجات النبي ولا تخصيص للرجال بالصحابة..فأمر الله المؤمنات أن لا يبدين زينتهن..ولأن الآية فرض فإستثنى الله "ما ظهر" وسياق الآية يفهم منه "ما ظهر" أنه ما ظهر منها عن غير عمد وهي بارزة للناس فتبادر إلى ستره..وإلا فلا يوجد ضابط ل "ما ظهر"..وحينها فبإمكان أي إمرأة أن تخرج عارية وتستر سوأتها وتقول أن ما بقي منها هو"ما ظهر"..هذا كلام باطل..وسيأتي الدليل عليه بعد حين..فجسد المرأة في نفسه جعله الله زينة..فكل ما بدا من المرأة في عيون الرجال مبتغى وله من يبحث عنه..على إختلاف أهواء الرجال وإختلاف النساء..حتى وصل الأمر لصوت المرأة..فأمر الله نساء النبي اللاتي يفترض بهن أن لا يطمع فيهن ذوو المرض أن لا يخضعن بالقول..فكانت أمهات المؤمنين يُغلّظن أصواتهن مع الرجال..وهن من هن في الأمة..وهن أمهات للمؤمنين..فكيف الحال بمن كانت واحدة من سواد نساء العالمين..ألا يُطمع فيها إن لانت بالقول لمن كان في قلبه مرض؟؟
الخلاف السائد هنا هو في إعتبار الشعر عند المرأة ليس بزينة..فقائل هذا القول من الرجال يقع في مغالطة كبيرة..أو هو لا يعرف ما هي الزينة من الأساس..فشعر المرأة من أكثر ما تملكه النساء زينة لها ولوجهها وعلامة على أنوثتها..والفرق واضح لمن كان عنده علم بالناس من الرجال ولمن كانت عندها إنصاف من النساء بين إمرأة شعثاء الشعر شعرها مهمل منتشر مثلاً..وبين من لها شعر ناعم ومنتظم وممشط..وبين من تساقط شعرها لعارض أو مرض..وبين من تقص شعرها إلى حد التشبه بالرجال..بل من النساء الغير محجبات من إذا ضاق بها الوقت عن تصفيف شعرها سترته بالحجاب حتى حين..ولعل أصدق ما تناوله الناس هو تسمية مصفف الشعر "مزين"..فالقائل بأن شعر المرأة ليس زينة لها..ولا يضيف للمرأة جمالاً..هو بلا ذوق..أو هولا يعرف النساء ولا يعرف الفرق بين تعامل النساء والرجال مع الشعر ولا نظرة المرأة إلي شعرها وإفتخارها أو خجلها منه..بل لم يرى حتى طفلة تصفف شعرها..وإن كانت إمرأة فهي تخالف فطرتها و تعرف في قرارة نفسها أن شعرها زينة لها..فليحذروا..لأن الأوامر في سورة النور للفرض وليست للإستحباب..
الحاصل هنا أن "ما ظهر" هو ما يظهر من المرأة بلا تعمد كأن يسقط من شعرها شيء من تحت الخمار "الطرحة" أو يبدو شيء مما ترتديه من الزينة الداخلية لتكشُّف عارض من الهواء أو إنحسار الثوب فجأة لأي سبب..فليس عليها جناح والله يغفر ذلك..
ثم يقول الله "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ولا أعرف أحداً يختلف في أن نحتكم إلي المعجم إذا إختلفنا في معنى كلمة من الكلمات..فلو ذهبنا إلى المعجم لوجدنا كلمة "خمرهن" جمع لكلمة خمار..الذي هو في كل معاجم اللغة.."هو كل ما يستر..ومنه الخمر لأنها تستر العقل ومنه خمار المرأة وهو غطاء رأسها..والعمامة من الخُمُر لأنها تستر رأس الرجل"..إنتهى من المعجم.
 وقد ورد عن النبي أنه كان في الوضوء يمسح علي الخمار أي العمامة لأنها غطاء الرأس..وقد كان تبرج الجاهلية هو أن ترخي النساء الخمر من فوق الرأس إلي الخلف وتترك الجيوب-الصدر والعنق-غير مستورة..أي يشبه إلي حد كبير ما نعرفه اليوم في هذا الزمان بال "إسبانش"..فأمر الله النساء بضرب الخُمُر-غطاء الرأس- علي الجيوب لا من الخلف..ومع الأمر بتغطية الجيوب لا ينتفي أن يظل الخمار غطاءاً للرأس ولم يستبدل بأن يكون غطاءاً للجيوب..أي أن الساتر الذي يغطي زينة الرأس هو غطاء للرأس والصدر والعنق –وهو ما يطلق عليه اليوم مجازاً "حجاب"..وحقيقة إسمه شرعاً "خمار"..وبشكل مبسط (الخمار هو غطاء الرأس..فإذا ذكر على أي حال فهو غطاء الرأس فقط..فمثلا الإزار أو السروال أو الملحفة أو القناع تغطي الجسم أو أجزاء منه لكن لا يقال عليها خمار..فلما يقول إضربي بالخمار على الجيوب..معناه أن شدي من غطاء رأسك وغطي به عنقك وصدرك(النحر)..وهذا ليس معناه "شيليه من على راسك وحطيه على العنق"..بل المعنى إنه خمارك غطاء رأسك لا تسدليه من الخلف زي الجاهلية الأولى..لكن غطاء رأسك إسدليه للأمام لتغطية العنق والصدر..)
ثم مرة ثانية ينهى الله عن إبداء الزينة إلا إلي أفراد كالزوج والمحارم..فهذا إلحاح من الله في سورة مفروضة على وجوب ستر الزينة..فما الذي يفهمه المنكرون من إلحاح كهذا..فليتفكر أولوا الألباب..
ثم يأتي النهي مرة أخرى عن الضرب بالأرجل حتى لا يُعلم ما خفي من الزينة..ومعلوم بضرورة العقل أن الزينة التي تُعلم بالضرب بالقدم..إنما تكون زينة القدم وهو "الخلخال" لأن الضرب بالقدم ليس من شأنه إلا إصدار صوت الخلخال وهذا دليل واضح على عدم جواز ظهور قدم المرأة أصلاً بكاملها إلى الموضع الذي يوضع فيه الخلخال فضلاً عن ظهور صوت الخلخال..كما أنه دليل أوضح على عدم جواز إظهار خصلة الشعر التي تسدلها بعض المحجبات لا سيما إن كان الشعر مصبوغاً..فهو زينة مخفية لا يحل أن تبدو ولا يعلم الناس شكلها فضلاً عن لونها..فالمرأة من عند غطاء رأسها إلي عنقها وصدرها "الجيوب" نزولاً إلى موضع الخلخال منها مأمورة بالستر..فالمرأة مأمورة بأن لا تبدي بل وتجتهد في إخفاء كل ما هو زينة..حتى بما يستثنى من الحجاب كالوجه والكفين مقيد بما إذا لم يكن عليهم زينة لعموم قول الله "ولا يبدين زينتهن"..الآية واضحة  بشكل مذهل ما كنا نحتاج فيها إلى مزيد تفصيل..
ومع هذا فإن الله يأتي مرة أخرى في سورة الأحزاب الأية 59..فيقول "قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين" وأنا أسأل بصدق..ما الذي تعنيه تحديداً كلمة "نساء المؤمنين" هل كان يقصد بهم أزواجه اللاتي ذُكرن قبلها..أم يقصد بها المؤمنات زوجات المؤمنين..الأمر واضح لا لبس فيه أن كل من تصف نفسها بالإيمان أو تظن أنها من أمة القرآن فهي مخاطبة بنفسها وشخصها في هذه الآية أمراً من الله وخطاباً من الرسول..بأن "يدنين عليهن من جلابيبهن"..والجلباب أيضا في المعجم "هو الملحفة أو القناع وهو ثوب يستر الجسد كله بلا استثناء ويوصف بأنه قميص واسع له أكمام وغطاء للرأس وهو للرجال والنساء" إنتهى من المعجم.
وهو قريب مما نراه اليوم في أثواب أهل المغرب..ليس مطابقاً وإنما قريب إلي حد كبير..
ومن هنا يتضح أن الله إستخدم كل الألفاظ التي تتكلم عن أغطية الرأس..هكذا نزلت الآيات وهكذا فهمها الأقدمون والمحدثون..وأطاعوا رسول الله فور أن نزلت الآية..بلا جدال..وعرفوا أنه الحق..ليس تشدداً ولا رمزاً طائفياً..بل كان أمراً إلاهياً ونبوياً..فلا يُتصور أن النبي يُلزم نساءه ونساء المؤمين بما لا يلزم..أو بأمر فيه تشدد..أو بأمر لا يكون فرضاً واجباً..وهو الذي جاء برفع الأصار والأغلال..عزيز عليه ما عنتّم..حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم..
ولم ينظر الصحابة والصحابيات لستر الزينة "الحجاب" على أنه تقييد أو محل جدال لموضع العورة أو وصف الثوب أو جدال عن الشعر هل هو زينة أم لا..بل عرفوا أن الغرض من الحجاب هو رفع الفتنة ومنعها ولا يحصل ذلك بالثوب الضيق أو الشفاف أو القصير..ومدار الحجاب ليس هو العورة..فالعورة لا يجوز كشفها حتى للمحارم من الرجال..أما الحجاب فهو شيء فوق ستر العورة وهو ما حيل به بين النساء والأجانب من الرجال..فإنما أُمرن بالحجاب لأنه أذكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات..
ومن آية "ولا يخضعن بالقول" وعموم الأدلة على عدم التعطر وغيره..يظهر لنا أن الله حرم على المرأة كل ما يدعو للفتنة..ولهذا كانت الشروط التي وضعت للحجاب كلباس للمرأة مستمدة من نصوص الكتاب والسنة كما نص عليها الدليل..هي سبعة شروط..وهي: أن يستر جميع البدن إلا ما إستُثني..أن لا يكون زينة في نفسه لأنه في الأساس ستر للزينة..أن لا يشف ويصف ما تحته وإلا فقد معناه وغرضه..أن يكون فضفاضاً غير ضيق..أن لا يكون معطراً لنهي النبي المرأة عن التعطر خارج بيتها..أن لا يشبه لباس الرجل(للعن المتشبهين من الجنسين بالأخر)..أن لا يشبه لباس الكافرات لعموم الأمر بمخالفة المشركين والكفار(وهذا امر فيه سعة)..أن لا يكون لباس شهرة وهو أمر مقيد بالنية.



إستكمال هذا المقال في مقال أخر حتى لا يطول أكثر من اللازم..للكلام على شبهات: فصل عورة الحرة والأمة..وآثار عمر ابن الخطاب..و ورود الحجاب في الديانات السابقة وشبهة العادة..وغيرها من شبهات العصر الحديث..نسأل الله السداد

الاثنين، 13 أبريل 2015

إبن تيمية والقزم الأحمق

ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتُبيّن له المحجّة..ومن ثبت إسلامه بيقين..لم يزُل عنه بالشك..ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة..والتكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعيّن..وتكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن..إلا إذا وجدت الشروط وإنتفت الموانع..وهي أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة "الوعيد"..فمسألة الوعيد في القرآن مطلقة كقول الله "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا"..ولكن الشخص المعيّن آكل مال اليتيم أمام الله قد يزول عنه الوعيد بتوبة أو بحسنات تمحو السيئات أو بمصائب تكفر ذنوبه أو بشفاعة مقبولة..ومن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم البعض..ومن ممادح أهل العلم أنهم يُخَطّئون الخاطيء ولا يُكفّرون..وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفراً..وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العدل والرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة ويعدلون لمن خرج منها ولو ظلمهم..ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ولا يقصدون الشر لهم إبتداءاً..وليس كل من خالف في شيء من الإعتقاد يجب أن يكون هالكاً..فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً..فله أجر والله يغفر له خطأه..وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم عليه به الحجة..وأما التكفير فالصواب أن من إجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه..ومن تبين له ما جاء به الرسول وقامت عليه حجته فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وإتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر..ومن إتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب..ثم قد يكون فاسقاً..وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته..فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل يكون كافراً بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً..(إنتهى كلام إبن تيمية)
قد يعجب الكثير من الناس عندما يعلم أن الكلام السابق هو كلام إبن تيمية كما ورد في كثير من كتبه وبخاصة "الفتاوى"..ذلك الشيخ الجليل العالم الفقيه الزاهد المجتهد المجدد المجاهد بالسيف واللسان والقلم..لأن الكلام الذي يدور في هذا الزمان السوء على ألسنة الرعاع  والأقزام من أمثلة "البحيري" يشير إلى شيخ الإسلام إبن تيمية بأصابع الإتهام بأنه مبتدع التكفير والأب الروحي للجماعات التكفيرية والخوارج ومن حذا حذوهم ونهج نهجهم..ما هم إلا صبيان يلعبون بجانب الشيطان الأكبر-ابن تيمية- الذي قاد مسيرتهم وإستندوا إليه وإلى فتاواه في كل عمل شيطاني وتكفيري أهدر دماء المسلمين وغير المسلمين..والحق أن أقوالهم تدل يقيناً أنهم لم يقرأوا كتاباً لإبن تيمية..وإنما قرأوا عن إبن تيمية..أي ما كتبه أمثالهم عن إبن تيمية..وما نقلوه-كذباً-على لسانه..ولو كان قصارى جهدهم القراءة فقط لأدركوا أن إبن تيمية أبعد ما يكون عن التكفير و الإندفاع في الأحكام وإهدار الدماء..وأظن أني لن أبالغ لو قلت أن 95% من المتهمين لإبن تيمية بأنه مرجع الجماعات التكفيرية..لا يعلمون شيئاً عن فتواه التي تستند لها الجماعات التكفيرية..ولا يسعهم إلا أن يغوصوا في بطون الكتب ليستخرجوا أقوالاً يتصيدون ألفاظها ليلعبوا على وتر الإرهاب وكيف أنه هو الذي مهد الطريق للتشدد والتعصب بغير النظر حتى لما يعرفه كل عليم بالفتوى..أن نصف الفتوى إنما تقع على عاتق السائل..فهناك من يسأل سؤالاً ليعرف الحق وكفى..وهناك من يسأل المفتي ليخرج منه جواباً بعينه..فإن لم يجبه به لف ودار وكر وفر ولفق موقفاً ضيقاً في السؤال حتى يُحفه بالمسألة فيجيبه بما يريد..إنهم لم يقرأوا لإبن تيمية نفسه..ولم يعرفوا فكره وفقهه رحمه الله وجزاه عن المسلمين بعده خير جزاء..وخلاصة القول أن مستند أهل التكفير للتكفير إنما يسندونه لإبن تيمية من فتواه في أهل "ماردين"..ووالله لو قرأوا فتواه في أهل ماردين لعرفوا أن إبن تيمية بريء من الدماء التي رموه بها طيلة نصف قرن.. وقبل ذكرالنص يجب أن نتأمل في السؤال كيف أن السائل قد يكون مستفزاً وملحاً وكأنه يريد أن يسقط المفتي في فخ ليقول شيئاً بعينه يريدالسائل أن يسمعه..
ونص الفتوى هو:"سئل إبن تيمية عن بلد ماردين هل هي دار حرب أم دار سلم..وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا..وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر وساعد أعداء المسلمين بنفسه أوماله  فهل يأثم..وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه أم لا؟؟
وكان رد إبن تيمية.."الحمد لله..دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها..وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة..سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم..والمقيم بها إن كان عاجزاً عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه..وإلا إستُحبت ولم تجب..ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم..ويجب عليهم الإمتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب أو تعريض أو مصانعة..فإذا لم يمكن إلا بالهجرة..تعينت..ولا يحل سبهم عموماً ورميهم بالنفاق..بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة..فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم..وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة..فيها المعنيان..ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين..ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار..بل هي قسم ثالث يعامل فيها المسلم بما يستحقه..و(يعامل) الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"
هذه هي الفتوى التي صنعت الإرهاب..كذا وردت الفتوى في كتاب "الأداب الشرعية"..وفي كتاب "الدرر السنية"..وكذا هي في المخطوطة الأصلية والوحيدة للفتاوى..وكما نرى ليس في الفتوى ما يهدر الدماء..لا دماء أهل ماردين المسلمين..ولا دماء حكامهم التتار..ولهذا لم يكن للفتوى أي مردود أصلاً في عصر إبن تيمية الذي كان من أشد أعداء التتار وكان يجاهدهم بالسيف واللسان..وأنكر أن ماردين التي يحكمها التتار دار حرب لأن أهلها مسلمون..وظلت الفتوى على حالها و ظل إبن تيمية شيخاً للإسلام..حتى 90 عاماً مضت حيث ورد خطأ مطبعي نتج عنه تصحيف كلمة في طبعة الفتاوى التي طبعها "فرج الله الكردي"..فطبع كلمة "يعامل" الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه "يقاتل"..وتبعه من بعده في طباعة الفتاوى من نسخته بغير تحقيق المخطوطة ولا إعتبار ورود الفتوي بلفظ "يعامل" في الدرر السنية أو الأداب الشرعية لأن "الفتاوى" لم يحقق قبل الطباعة..فاتخذها " التكفيريون في الستينيات أساساً لقتال ولي الأمر بل لقتال المخالفين لشريعة الإسلام..بل يكاد كتاب"الفريضة الغائبة "أن يكون هامشاً شارحاً للفتوى الماردينية..رغم أن إبن تيمية حرم دماء أهل ماردين..وكانوا مسلمين وكانوا محتلين من التتار وكان التتار يحكمون بكتاب جنكيزخان ويتخذوه دستوراً هو والعرف..دون أي شريعة برغم إظهار بعضهم الإسلام..وبرغم أن إبن تيمية كما قلنا لم يذكر في فتواه قتالاً إلا أن الفتوى في النهاية بهذا اللفظ الذي ورد تصحيفاً-يقاتل- تسترعي التفكير..فهي بلفظ "يقاتل" تناقض أولها الذي ذكر حرمة الدماء..وأمر أهلها بالتصنع والمداهنة للحاكم المتغلب لكي لا يضيق عليهم عيشهم أو يذيقهم من صنوف العذاب لما في التتار من جور وظلم..كما أن اللفظ نفسه "يقاتل بما يستحق" تركيب لغوي خاطئ لا يقع من إبن تيمية..فالقتال لا يوصف ب "بما يستحق"..فليس هناك مقاتلة للعدو بما يستحق ومقاتلة" نص نص"..فكان على الأغبياء الذين إتخذوا الفتوى ذريعة لجهاد المسلمين وقتلهم أن يفكروا دقيقة قبل الإقدام..أو حتى يسقطوا القتال على مقاتلة المحتل "التتار"..وكان على الأقزام الذين إدعوا على إبن تيمية إهدار الدماء أن يراجعوا الفتوى الماردينية أو كما يطلق عليها "فتوى التتار" قبل أن يندفعوا ويرموا إبن تيمية بكل سوء وظلم وبهتان..وقد إنعقد مؤتمر في ماردين نفسها عام 2010 لتحقيق المخطوطة الأصلية للفتاوى..فكانت النتيجة أن اللفظ ورد فيها "يعامل" وليس "يقاتل" كما ورد في مخطوطات "الأداب الشرعية" و"الدرر السنية"..وظهرت براءة إبن تيمية بعد ستين عاماً من الظلم والبهتان..
إن بإمكاننا الجزم أن شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله لما كان عليه من علم وعمل وجهاد وحمله مسؤلية مواجهة البدع والفرق الضالة في كل مكان..مع ما كان عليه من قوة حجة وبيان..ورجاحة عقل وفصاحة لسان..وإكتساحه ساحات المناظرة مع رؤوس الفرق الضالة الذين ملأوا ذلك الزمان..فكان له من الأعداء من معاصريه الكثير من حاسد وحاقد مهزوم من أهل الأهواء..ومطرود من الرياسة والزعامة بعد نعمة ورخاء..ما جعلهم كادوا له المكائد و أوغروا عليه صدور الملوك..وأشاعوا عنه السوء..وذكروه بكل مكروه..ولكن سبحان المعز المذل..فلا يُذكر اليوم من ذلك الزمان إلا إبن تيمية وعلمه وفقهه..ولازال يشغل العقول والأذهان..بينما يقبع مخالفوه في غياهب النسيان..فلا يكاد يعرف منهم اليوم إسمٌ واحد..ولو ذُكر إنما يذكر بشكل لاحق بفضل عدائه لإبن تيمية..ولكن لا يذكرون بعلم ولا بفضل..وحسبنا من كل ذلك أن إبن تيمية كان إماماً عالماً مجدداً حافظاً لم ينافق ولم يداهن ولم تزل قدمه في دماء حرام..وحسبنا أن نرد عنه كيد الظالمين له بغير علم ولا بينة ولا برهان..وحسبنا أن إبن تيمية سيبقى ذكره وعلمه  ما بقي في المسلمين علم وعمل..وسينتهي ظالموه غير مأسوف عليهم لا ذكر لهم ولا بقاء..وعند الله يجتمع الخصوم.  

  

السبت، 11 أبريل 2015

حد الردة و القزم الأحمق

من سخرية هذا الزمان أننا نضطر للرد على أحد الأقزام الذي يتطاول على أصحاب القامات العالية حيث لم يرد عليه أحدٌ حتى الآن رداً يشفي العليل أو يروي الغليل..وكأن عدم الرد عليه قد أصابه بنوبة من تورم الذات والإنتفاخ المفاجيء..فشعر أنه مفكر الزمان وهادم الصروح وفاتح الفتوح..وإغتر بسكوت الساكتين عليه فظن أنهم تصاغروا إلى جانب فكره السقيم وأنه أسكتهم بنصوع حجته وأفحمهم ببيان برهانه..بينما هو كالبعوضه لا يلتفت لها..مهما علا صوتها فهو واه..أما الآن فقد آن الأوان لهذه المهزلة أن تنتهي ولهذا القزم الوقح أن يلزم حده ويعرف قدره..ويسحق بحذاء الحق رأسه..ولا يعامل إلا كالفطر العفن يزال ويرمى مع الكناسة على قارعة الطريق..
الحق أني لا أدري من أين أبدأ بالرد على هذا الخرف فقد كثر لغوه حول حد الردة ما بين آيات القرآن والأحاديث والحوادث التاريخية..ولكني سأحاول أن أتناول ما قاله ودلسه..وما خفي عليه بسبب جهله وإندفاعه وقلة عقله وخفة فهمه وتغفيله وسوء نيته فتورط فيما لم يفقه وصعب عليه الرجوع عن طريق الطيش والضلال..وإزداد في المشي جهداً..فإزداد عن الحق بعداً..
نبدأ من حديث إبن عباس"أن علياً حرّق أقواماً لعبادتهم الأصنام فأنكر إبن عباس وقال لو كنت أنا ما حرقتهم لقول النبي لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول النبي من بدل دينه فأقتلوه"..والذي أطال فيه الهذيان فأنكر عدالة الراوي عكرمة..وقد نسي نفسه وإستخرج من بطون الكتب شوارد الأقوال الشاذة الموضوعة المبعثرة التي تسب الرجل وتجرحه..وإتبع طريق أخبار الرجال الذي يرفضه ويرده على علماء الحديث..فغاص في ما يسميه التراث ليخرج بأخبار الجرح لعكرمة..وترك من نفس التراث مئات أضعاف الأقوال الصحيحة من أهل العلم والفهم لتعديل عكرمة..فلم نعد نفهم هل هو يرفض التراث أم يقبله أم يأخذ منه ما وافق هواه ويرد منه ما يضعف موقفه..الحاصل هنا أن عكرمة من الأثبات العدول..وهو من رجال البخاري ومسلم حتى لو كان مسلم لم يأخذ عنه غير حديث..فليست العبرة بعدد الأحاديث..وأخبار ثبوت عدالته أكثر من الحصر..
ثانياً..أنكر الحديث لأنه قال أن الحدّ لم يعرفه غير إبن عباس فقط..فكيف لم يعرف الحد غير صحابي واحد مات عنه الرسول وهو صبي..ونسي هذا القزم الأحمق أن الحديث يتكلم عن تحريق عليّ بن أبي طالب للمرتدين..ترى هل كان عليّ يحرقهم حيناً ثم سيخرجهم ويعالج حروقهم..هل كان الإمام عليّ يلهو بتحريقهم؟؟أم أنه كان يقتلهم حرقاً..إن إبن عباس لم يخبر عليّ بحد الردة..فقط هو أنكر على عليّ طريقة القتل..فلا يحل له أن يقتل حرقاً لأنه عذاب الله..ولكنه لازال يحق له أن يقتلهم لقول النبي..الذي كان عليّ في الأساس ينفذه..فقتل المرتد حداً..ثابت عند عليّ لم ينكره عليه كل من حوله مما يدل على ثبوته عندهم..ومنهم إبن عباس..فليس الأمر بقتل المرتد مداره إبن عباس..وليس هو من نبه "عليّ" للحد..كما ثبت حد الردة عند غيرهم من الصحابة وفي غير رواية فهو متواتر الذكر والعمل به..ولعل أشهر حديث فيه "لايحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة" والحديث رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود..
ومن حديث معاذ عندما بعث لليمن..قال له "أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها"..ومن حديث جابر..أن إمرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت..
وما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل عند بعثهما لليمن..قال "اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهودياً فأسلم ثم تهود قال إجلس قال لا أجلس حتى يقتل..قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل"
فهذا حد الردة الذي يقول فيه الجاهل الجهول أنه لم يعرفه غير عكرمة عن ابن عباس..والحديث رواه عن ابن عباس غير عكرمة فقد ورد من طريق أنس فلم يتفرد به عكرمة دون تلاميذ ابن عباس..
مرة أخرى تطرق القزم إسلام البحيري..إلى حديث أخر صحيح وغاص في بطون الكتب ليخرج أشياءاً واهية محاولاً بها جعل الحديث مشكل مع أحاديث الردة وأن العلماء ضاق بهم المخرج من الحديث فخالفوا المنطق وإلتفوا حول الحق لكي لا يفتضح أمرهم..ونسي في غمار هذه الترهات التي شغل بها نفسه أن يفكر دقائق قبل أن يتكلم..فهذا نص الحديث في البخاري"أن أعرابياً أتي النبي فبايعه على الإسلام فأصابه وعك فأتي النبي فقال له يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى رسول الله فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبي الرسول..فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى فخرج فقال رسول الله المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها"..ف إدعى أن الرجل طلب إقالته من الإسلام وخرج دون حد الردة ولم يطلبه الرسول أو يطبقه عليه..
وعلينا أن نسأل ذلك القزم..ما هو المفترض أن يفعله رجل خرج من الإسلام وكفر..هل يذهب ليستأذن النبي الذي كفر به ليخرج من المدينة؟؟..هل البيعة كانت حبلاً يربطه في سارية ليقول له أقلني بيعتي..أي رد عني الإسلام؟؟هل يفترض فيمن يكفر بالنبي..أن يذهب له ويناديه "يا رسول الله" أم يقول له "يا محمد"؟؟ثم ما هي الفائدة التي تعود على الكافر من الإستئذان في الخروج؟؟المدينة المنورة ليست ذات أبواب ليفتحها له الرسول ليخرج..ثم ما هي التبعات التي تلحق بالكافر إذا خرج ولم يستأذن؟..أم أن الصواب أن يفترض به أن يخرج من المدينة بغير إستئذان..؟؟
إن لفظ متن الحديث واضح كالشمس في أن الرجل ليس مرتداً عن الإسلام ولم يقصد الإسلام بطلبه إقالة البيعة..وإلا فقد خرج الرجل من غير إذن في النهاية..فكان أولى به ك "كافر" بالملة أن يفعلها من البداية بغير إستئذان أو إثارة شبهة الكفر حول نفسه..والرسول لم يراجعه في عرض الإسلام عليه أو معالجة ما دعاه للكفر..مما يدل على أنه أصلاً لم يكفر ولم يرتد..فما هي البيعة التي أبي رسول الله أن يقيله إياها..إنها بالطبع إقامته في المدينة وإتضح هذا من فعله في النهاية أنه خرج رغم رفض الرسول..لأن الهجرة كانت فرضاً قبل الفتح..وكانت علي الأعراب من يسلم منهم أن يهاجر إلى المدينة حتى رفع الحكم بعد فتح مكة وقال النبي "لا هجرة بعد الفتح"..وكان الرجل أصابه وعك وحمى في المدينة فكرهها..وأبى عليه الرسول أن تضيع عليه هجرته..فآثر الخروج على الهجرة..فهو تعيس شقيّ..فقال الرسول المدينة تنفي خبثها..أي ما خبث من النفوس..وليس في الخبث دليل على الكفر..فإنما يوصف الكفار والمشركون بالنجس وليس بالخبث..ولكن يخفى هذا على مثل البحيري ممن أضلهم الله وختم على سمعهم وقلوبهم وجعل علي أبصارهم غشاوة..
ثم نأتي لما تحدث عنه من أنه لا توجد حجة عقلية لقتل المرتد..وهو كدأب أمثاله جميعاً يهرب من النصوص إلي الحجج العقلية..تشابهت قلوبهم..ومع هذا فإن الحجة العقلية السليمة تلح على ضرورة قتل المرتد بالمعنى المخصوص المحدد في الفقه للمرتد..فالمرتد واحد من إثنان..إما رجل يرتد عن الإسلام ويبقى مختفياً بكفره لا يجهر به..وهذا يكون غير معروف بين الناس ولا إشكال معه ومادام يظهر الإسلام بالشهادة فهو معصوم الدم والمال وحسابه على الله..أو شخص يخرج على الناس فيعلنها صريحة..ويلقي سموم فكره في الناس ويدعوهم لما نفره من الإسلام..ويلقي عليهم الشبهات التي فتنته..ودائماً لا يخلو الأمر من التعدي على شخص النبي وعلى القرآن تلميحاً أو تصريحاً..وهذا بكل مقاييس العقل والحكمة والفطنة هو "كافر حربي" والكافر الحربي واحد من إثنان..إما كافر يرحل من ديار الإسلام إلى ديار الحرب..وهذا لن يلاحقه المسلمون ولن يطلبوه..أو محارب مقيم على أرض الإسلام معلناً العداء لهذا الكيان..فنحن لا نحتاج إلى نص مخصوص لقتله..إما يرحل أو القتل..ولا أعلم ولا أظن البحيري يعلم دولة على الأرض تكون في حالة حرب مع دولة أخرى وتسمح لأفراد من العدو خاصة الناشطين في العداء..أن يقيموا على أرضها..إما تطردهم أو يقتلوا..فهو حكم عقلي في القوانين الوضعية وهو موافق للعقل والفطرة والوحي والشرع..ولا يختلف عليه إلا من على شاكلة البحيري..
وهنا أنقل كلاماً كتبته في مقال سابق إسمه "حد الردة في مواجهة الزحف الوثني" ولعلي أختم به حتي لا يطول المقال أكثر من ذلك وللكلام بقية إن شاء الله أفصل فيها باقي شبهات الدعيّ الجاهل القزم الوقح البحيري


(من مقال حد الردة ..مواجهة الزحف الوثني)
 
 
"ثالثاً :هل يقبل الإسلام بوجود المحاربين في دياره..؟؟
الإجابة لا..لايقبل الإسلام بوجودهم لأنهم أصل الفتنة والخيانة..كذلك كل أمم الأرض لا يقبلون بوجود المحاربين..فليس من أمة تعادي أمة وتترك أفراداً منها يحيون في أراضيها ويختلطون بسكانها أماناً من التجسس وأماناً من إشاعة الذعر والفوضى حال الحرب..كل هذا يقف فيه الإسلام وكل أمم الأرض على قدم المساواة..بل في جل أهل الأرض إذا ثبتت الخيانة في حال الحرب على واحد من أهل الدار فإنه يقتل..وهو من نفس القوم والأهل والملة والدين..
رابعاً :هل يقبل الإسلام وجود أفراده على أرض المشركين المحاربين؟؟
الإجابة لا..ويأمر الإسلام أهله بالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام..أما إذا كان موطنه أرض مشركة ولكنها دار سلام مع المسلمين فلا مانع ما أمن الفتنة في دينه.
خامساً: هل يرسل المسلمون الجنود وراء كل من خرج من الإسلام ولحق بديار المشركين ليحيا فيها ليقتلوه..
الإجابة لا..لم يفعل هذا المسلمون ولا رسول الله ولا أصحابه..فعبيد الله بن جحش هاجر مسلماً إلى الحبشة فتنصر ومات هناك ولم يرسل في طلبه رسول الله وغيره ممن فعل هذا لم يرسل رسول الله في طلبهم..
سادساً :هل يقبل الإسلام بوجود المنافقين أو المتخفين بحقيقة دينهم المخالف للإسلام على أرضه؟؟
الإجابة أن هؤلاء من الطبيعي أن يكونوا مختفين غير ظاهرين..فهم متخفون بإعتقادهم حتى لو كان كفراً وإلحاداً أو تنصرأ أو تهوداً..ولا يظهر منهم عداءٌ للإسلام..وهم بهذا معصومون بعصمة المسلمين في المجتمع..أما من تبدو من فمه البغضاء للإسلام والمسلمين..فهو محارب ليس من المنافقين وليس من المسلمين وليس من المسالمين..فهذا إن رجعنا إلى أي عقل منصف أو دولة منصفة فهو لا يقبله على أرضه..فإما أن يهاجر إلى ديار غير مسلمة يفعل فيها ما يشاء..وإلا فعليه ما على الخائن والمحارب..والقول بأن المرتد عن دين الإسلام بين المسلمين ليس معادياً ولا محارباً..هو قول غير صحيح..فليس هناك من مرتد..يرتد عن دينه ولا يشع ردة على من حوله..ولا يلبث هؤلاء حتى يبدأوا في بث السموم في المجتمع من أفكارهم ومحاولاتهم الدائمة لإنتقاد التعاليم بما إستقر في أنفسهم ودفعهم للردة..فهم معادون بكل الصور للإسلام..والقول بأنهم غير معادين للإسلام يعني بالضرورة إخفائهم لإعتقادهم..فهم كالمنافقين..يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر..وهؤلاء وجودهم لا يمثل شراً على الإسلام..من هنا تكون إجابة السؤال السادس هي نعم يقبل الإسلام وجودهم على أرضه ولا يقبل ظهورهم على السطح ومجاهرتهم بالكفر..وحسابهم على الله..فقد قال النبي.."أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله..فمن قالها فقد عصم دمه وماله وحسابه على الله"..
فنحن نقبل أن نسمع منهم الكلمة يظهرونها يعصمون بها دماءهم..على ألا يبدو منهم بعدها كلمة الكفر..وحسابهم على ما أسروا في أنفسهم على الله..أما إن بدأوا في نفث العداء السافر فشأننا كمسلمين كشأن سائر أمم الأرض..قتل المحاربين..وحد الردة بعد دخول الإسلام ليس إكراهاً على الدين..بل هو حفظ المجتمع بقوة القانون..فمن شاء أن يكفر..فإما يستخفي بكفره داخل المجتمع خشية القانون..أو يخرج إلى مجتمع أخر لن يلحق به أحد هناك ما لم يكن معاهداً للمسلمين..فالعهد يمنعه من الخوض في الإسلام أيضاً..وله من ديار المحاربة متسع يأوي إليه ما إستطاع..أما أن يكون الأمر كما يدعو إليه العلمانيون..أن يرتد عن الدين كل مرتد ونتركه يحيا بحرية بين المسلمين فهذا القول من العقل بمكان سحيق..فإنه ما جاهر بكفره بالإسلام إلا ليتكلم فيه ويخوض في تعاليمه ناشراً سموم الفكر بين الناس..ومن حق الأمة المسلمة وولي الأمر المسلم أن يحفظ الأرض والرعية من مثله..فإنه لو لم يرد أن يتكلم وينتقد لأخفى معتقده..فهو محارب ثابت القدم على أرض المسلمين..وليس من العقل ولا من الحكمة قبوله بين صفوف المسلمين..فلمن يكون ولاء مثله حال الحرب؟؟..أيكون للمسلمين أصحاب الأرض..أم لمحاربيهم الملحدين؟؟..للقارئ أن يجيب على هذا السؤال..والباب الذي فتحه الذين من قبلنا على أنفسهم فزحفت منه الوثنية هو هذا الباب..إختلفوا على نبيهم وكتابهم فتفرقوا وبدلوا وغيروا..ولم يكن المرتد عندهم محكوم عليه بالهجرة من الديار أو القتل..بل تركوهم يحيوا بينهم مجاهرون بنقد دينهم ودحض حججهم..فخرج من الدين مفتوناً من خرج..وشك من شك..ومن بقي فإنه بدل تعاليم دينه بما يوافق أهل الشرك كي يسلم من إنتقادهم ويريح نفسه..وإستساغ المهمة من بقي على الدين في أن يبدل الأحكام كلما ألجأته الظروف والضغوط..أو ربما ألجأته السلطة والمال..فتبدلت الديانات وأصبحت الوثنية هي المسيطرة على جل ديانات الأرض..
أتى الإسلام فحكم حكماً واحداً..حد الردة..فأغلق ذلك الباب..وعلينا أن نتخيل رجلاً مرتداً ذا بيان ولسان..خرج من الإسلام وبقي في ديار الإسلام..ينتقد ويلغو ويهزأ بالتعاليم..وينشر فيمن حوله ما أخرجه من دينه..ولو خرج نفس الرجل إلى ديار غير المسلمين..ومن لهم مع الإسلام عداء..فتكلم بنفس كلامه..أيهما أقل ضرراً على المجتمع المسلم..فإن شئت فقل أن حد الردة هو حكم على المرتد بالنفي والخروج والهجرة..وإلا فالقتل..أو العودة إلى الإسلام ولو بالكلمة فقط لعصمة الدم والمال..مع الأمان من فتنته في المجتمع وحساب سريرته على الله..فإن عدتم عدنا..

الخميس، 9 أبريل 2015

البخاري والقزم الأحمق

لم أتوقع أني سأضطر يوماً للكتابة عن الإمام البخاري..هذا الرجل الذي ذهب عمره في الحديث وبالطبع لم يذهب هباءاً..يثير جاهل أخرق يدعى إسلام البحيري اليوم لغواً حول شخصه وكتابه..كما يلغط من حين إلى أخر كل جاهل ليس لديه فهم أو أثارة من علم يمشي بها بين الناس..ثم يختفي صوته ويبقى البخاري البحر الزاخر..والجبل الأشم والصرح العملاق..ويبقى كتابه الصحيح كسبيكة الذهب بين الكتب والعلم والعلماء..وإن رغم أنف المكذبين..
يدور الكلام في المجتمع الآن حول شخص البخاري وكتابه الجامع الصحيح..وعندنا من القول ما لم نجد أحداً قاله وكأن الذين إشتغلوا بعلمه إنشغلوا عن حقيقة ما فعل..فإضطررت لكتابة هذه السطور..ودخولاً في صلب الموضوع نبدأ فنقول..
بدايةً البخاري لم يكن أول المشتغلين بالحديث..ولا أول من صنف فيه مصنفاً..بل قبله مصنف الإسماعيلي..و"مسند" أحمد و"موطأ "مالك وكتاب "الأم" للشافعي..والبخاري نفسه له مصنفات عديدة غير الصحيح الجامع فيها من الأحاديث ما يصححه ويضعفه..والبخاري لم يكن يجمع الحديث حتى نهاية حياته..بل البخاري عندما شرع في تصنيف كتابه الصحيح الجامع كان من أعلام الحديث لم يكن حديث يخرج من حفيظته أو يخفى عليه..فعلينا أن نسأل لماذا إذن صنف صحيحه في ستة عشر عاماً بينما لم تأخذ باقي مؤلفاته كالتاريخ الصغير والكبير وخلق أفعال العباد كل هذا الوقت..وهو الذي يستطيع أن يجلس شهراً على أقصى تقدير ليراجع الأحاديث بالأسانيد ويضعها في كتاب ويقول هذا صحيح..هذا ليس مما تتطرق إليه أذهان الجهال المتكلمين في البخاري..
حقيقة الأمر أن البخاري تميز عن غيره هو والإمام مسلم صاحب الصحيح..بأنهم وضعوا للكتاب الذي نعتوه بالصحيح شرطاً..لا يوضع حديث في الكتاب إلا إذا وافق هذا الشرط..وقد كان الشرط شديداً بحيث لم يكن يمر حديثٌ على الشرط إلا وهو في أعلى درجات الصحة في السند ثم في المتن..وكانت أحاديث الصحيح بأسانيدها معروفة قبل البخاري عند سائر أهل العلم ومعمول بها..ولكن البخاري هو أول من جمع الأحاديث المشتركة في هذا الشرط الضيق-لضمان جودة الأسانيد-في كتاب واحد..جمعه على هذا الشرط رحمه الله رغبة أن يكون حجة فيما بينه وبين الله..وهو كذلك بإذن الله..رغم أنف المتكلمين في الإمام الجليل..
وقد كان شرط البخاري..هو أنه يروي الحديث المسند عن عدل ثابت ثقة عن مثله وصولاً للنبي..متصلاً من الطبقة الأولى..ولا يعلق إلا من الطبقة الثانية..أما شرط مسلم فكان الحديث المسند عن عدل ثابت ثقة عن مثله موصولاً من الطبقة الأولى والثانية ومعلقاً من الثالثة..مع إشتراط اللقاء بين كل راويين-وهو ما إشترطه البخاري دون غيره-..أما في المتن فشرط صحة الحديث عند سائر أهل الحديث فهو الخلو من الشذوذ والعلل..فهو شرط لازم للقول بالصحة..
ونأتي على شرح بعض النقاط في شرط البخاري لنعرف القاريء كيف أن علم الحديث هو سيد كل العلوم الإنسانية..ومن هو البخاري سيد هذا العلم الجليل..فالحديث المتصل أو الموصول هو ما إتصل إسناده بإلتقاء أفراد الإسناد كل بمن حدث عنه والسماع منه مباشرة في مجلس التحديث أو بالسؤال والجواب..وصولاً إلي الصحابي الذي سمع مباشرة من النبي..وأي إثنين من رجال الإسناد يثبت أنهما لم يلتقيا..فهذا إنقطاع في السند وهو من مراتب الضعف..والإنقطاع قد يكون إرسالاً..أو تعليقاً أو إعضالاً..والكل ضعيف..وإذا إتصل الإسناد لابد من تصريح الراوي بلفظ يفيد الإتصال مثل حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا..وإلا فالعنعنة وهي لا تفيد الإتصال إلا بعد أن يصرح الراوي بأنه سيحدث السامعين ما سمعه من فلان الذي صرح بالتحديث عن علان..فإذا قال "عن فلان عن علان"..فقد صرح أولاً بالسماع المباشر ولا غضاضة مالم يكن مدلساً..فإن المدلس لا تقبل منه العنعنة..لأنها لن تفيد الإتصال يقيناً..فإذا قلت أنا للناس"عن رسول الله أنه قال" فليس معنى الكلام أني سمعته من رسول الله..بل هناك راوي أو رواه  بيني وبين الرسول لم أصرح بهم وربما يكون فيهم الكذابون..
ولابد بعد ثبوت الإتصال من معرفة أخبار الرجال على التواتر(التواتر هو الإتفاق على الخبر الواحد من مجموعة كبيرة من الناس يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب) وليس خبراً واحداً يوثق الرواي..ولثبوت الثقة في الراوي لابد أن يتواتر الخبر على أن الراوي كان ثابتاً حافظاً سليم العقل والحفظ والفهم..ضابطاً للألفاظ..لم يكن يروي بالمعنى..أما العدالة فهي مجموعة صفات تورث صاحبها "العدالة" كالفضيلة والتقوى والورع والإيمان ومعرفة حق الله ورسوله والصدق والأمانة والإلتزام بالهدي الظاهر والباطن والخلو من الميول السياسية والرغبة عن السلطان وعدم إقتراف الكبائر..وقد قال الله "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"..فالفاسق-مرتكب الكبيرة أو الذي أصاب حداً من الحدود-ضعيف الحديث..وهي أول قاعدة في جرح الرجال في القرآن..ولثبوت كل ذلك لابد له من التواتر..ومعرفة أدق أخبار الرجال وسيرتهم وتراجمهم ومواليدهم ووفياتهم وممن سمع العلم ولمن لقنه..وفي أي وقت سمع منه و حدث عنه..ومتى كبر سنه وساء حفظه وإختلط..أو إعتزل الناس..أو إفتتن..وهكذا..فعلم الحديث علم يذل المشتغلين  به حتى يصبحوا علماء فيه..
أما كون الراوي من الطبقة الأولى..فهو ما تفرد به كتاب البخاري..فعلم طبقات الرواة هو من أشد فروع أخبار الرجال تخصصاً..وإزعاجاً وربما كان هذا الشرط دون غيره هو ما أخذ الوقت من البخاري..بل هو الشيء الوحيد الذي كان العلماء يتتبعون فيه البخاري..فإن كل علماء عصره ومن تلاهم "خاصة الدارقطني "أجمعوا على صحة متون الكتاب..غير أنهم عندما علقوا على الكتاب كانت تعليقاتهم على الطبقات..فيقول قائل منهم الحديث صحيح والإسناد صحيح ولكن الراوي الفلاني ليس على شرط الكتاب فهو من الطبقة الثانية عندي..وليس من الأولى.."مع العلم أن الطبقة الثانية هي شرط  مسلم..فهي صحيحة أيضاً..فما هي الطبقات التي أرهقت المتتبعين للبخاري..
نعطي مثالاً سريعاً لها..مثلاً "الزهري" الرواة عنه على خمس طبقات..ولكل طبقة منهم ميزة عن التي تليها..فمن كان في الطبقة الأولى فهو غاية في الصحة والإتقان والحفظ والتثبت ومعرفة ضبط الزهري ومعرفته في جميع أحواله..والطبقة الثانية شاركت الأولى في الحفظ والإتقان إلا أن الأولى جمعت مع الصحة والإتقان طول ملازمة الزهري..بحيث كان منهم من يلازمه في السفر والحضر..والثانية هم الذين لم يلازموه غير مدة يسيرة فلم يمارسوا حديثه ولم يعرضوه لإختبار الضبط والإتقان بنفس درجة الطبقة الأولى..والطبقة الأولى والثانية هي شرط مسلم..هذه نقاط سريعة وأمثلة موجزة لقصد إيصال المعنى..وللقارئ الكريم أن يتخيل أن كل راوي في كتاب الصحيح الجامع للبخاري قد مر على هذه الشروط ليقبل منه حديثه على شرط البخاري..غير ما تميز به البخاري أكثر وجعله يعد طبيب الحديث وجرّاح الرواه..وإمام أهل الجرح والتعديل..هو رحلة البخاري بين الأمصار والتي يظنها الجهلة من أمثال البحيري أنها كانت لجمع الحديث..بينما كان الأمر كما قال البخاري نفسه..أنه كان يرحل ليقابل الرواة بنفسه ليتثبت من تحقق السماع بينهم ويسألهم بنفسه في ذلك ويعرضهم لإختبار الضبط وكان أحياناً يطلب من الراوي أن يطلعه على كتابه الذي نسخه خلف الراوي الذي سبقه في السند..ويسأل عن أحوالهم بين الناس وسيرتهم ويرقبهم ليعلم صحة توثيق العدالة في الرواة..حتى إجتمع من العلم بالرجال عند البخاري مالم يسبق أن إجتمع لغيره..فالبخاري لم يكن مغفلاً..بل قال عنه علماء عصره..أنه فيهم كعمر بن الخطاب في الصحابة..لقوته وشدته في الحق..وحزمه..وجده وإجتهاده وشجاعته و صلابته وإتساع علمه وفقهه..ولم تكن تأخذه لومة اللائمين في جرح الرجال أو تعديلهم..والإشتداد في توثيق جرحهم أو تعديلهم..وعدم قبوله العدالة إلا من مخارج ضيقة..تضمن صحة العدالة والضبط وتوثيق رواية الراوي..والله لا يصح أبداً أن يأتي رجل شبعان متكئ على أريكته فيقول هذا البخاري كذاب..نحن نعرف أكثر منه..والله لا يبلغ هذا الدعيّ الجاهل مُدّ البخاري ولا نصيفه..وكنت أتمنى ان أسمع منه قولاً جيداً..ولكنه تمخض كالجبل وأخرج فأراً..
وأقدم هنا أمثلة لجهالات البحيري والتي ظن أنها ضربة قاضية للحديث بينما هو من الجهل والإندفاع بحيث لم يفكر فيما يهذي..ورمى رمية بغير رامي..نعوذ بالله من الجهل والخذلان..
يقول الجاهل الجهول كيف تقبل حديثاً من البخاري ينعت فيه علي إبن أبي طالب بحرق الناس..وإنه هو السبب فيما وصلنا له اليوم من الإرهاب والجماعات المتشددة كداعش..ولماذا تنكره على داعش إذن؟؟وكيف تثبته على "عليّ" ثم تنكره على "أبي بكر"..لم أنكرته إذن..؟؟وإن أنكرته فكيف تقول على "علي" أنه بعد ثلاثين عاماً من موت النبي كان يجهل حكماً في الإسلام؟؟
وهنا سنجيب على أسئلته لنبين للناس أنه يهذي بما لا يدري..ويهرف بما لا يعرف..
أولاً إننا أنكرناه عن "أبي بكر" ببساطة لأن "أبا بكر" فعلاً لم يفعل..ليس إستبشاعاً منا للحرق ورداً بعقولنا لأن يكون أبو بكر قد فعل..ف والله لو ثبتت عليه لأثبتناها..أما الحق أنه لم يحدث..فلم لا نرد عنه كذب الكاذبين..
وعلي بن أبي طالب ثبت عنه أنه فعل فأثبتناه ونقبله ولا نرده..لأن رد الأخبار يكون بثبوتها ونفيها سنداً وليس بالعقل وحده ترد الأخبار..فكم من حدث نشاهده كل يوم ونقول والله لولا أني رأيته لما صدقت أنه حدث..أو نزعم أنه أمر لا يصدقه عقل..نعم ولكنه حدث..فرد الأخبار لا يكون بالعقل وحده أبداً بل بثبوت سنده..أو ما نسميه اليوم مصدر الخبر..فعلم السند وأخبار الرجال رياضة يومية نمارسها جميعاً دون دراية منا بأي قاعدة..فلو سمعنا خبراً أو قرأناه فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا..ما مصدر هذا الخبر..هل هو مصدر موثوق فيه أو لا..فربما يكون شخصاً مغرضاً أو مدعياً..فبحثنا عن سند صحيح للخبر هو عين ما يُسب البخاري وعلم الحديث على فعله من الحمقى أمثال البحيري..
أما لماذا ننكره على داعش فهو بسبب هذا الحديث الذي يرفضه البحيري وأمثاله..لأن الحديث فيه النهي النبوي الصريح عن الحرق..ففيه أن علياً أحرق..وأنه علم الحق..وعرف النهي..وعاد عن الحرق..ولم يكررها مرة أخرى..فهذا الحديث حجة على داعش وليس حجة لها..وقول البحيري المغلوط المدلس بأن مثل هذا الحديث -برغم النهي الوارد فيه-هو سبب الإرهاب..كقول مثلاً أن ذكر عبادة بني إسرائيل للعجل في القرآن- برغم لوم القرآن لهم على ذلك -هي حجة لمن يعبدون البقر اليوم..فهذه كتلك..
أما موضوع عدم معرفة على أبن أبي طالب للحكم بعد ثلاثين عاماً فهو مشكلة البحيري نفسه..فهو يدعي أنه درس طرق التعامل مع التراث..وفيما يبدو أنه كان نائماً أثناء الدراسة..أونجح في تزوير تلك الشهادة..فهو يتعامل مع التراث بمنطق الأطفال وليس بمنطق الدراسة والعلم..فهو لا يعرف كيف يقرأ التراث الذي بين يديه..ويحاسب الصحابة على العلم الذي توفر له هو وليس لهم هم..فالصحابة صاحبوا رسول الله فترة وكانوا يتركوه ويذهبوا بيوتهم ويذهب هو لتجارته..ومنهم من كان يلقاه وحده ويمشي معه..ومنهم من كان يسافر في عمله..ويعود..ولم يكن بإمكان كل من غاب عن رسول الله إذا رجع أن يطلع على كل كلمة قيلت في غيابه..لاسيما أنه لا يوجد من كان يجالس الرسول 24 ساعة..فزوجاته لم يكنّ يعلمن كثيراً مما يقال بينه وبين أصحابه..وكذلك أصحابه لا يعلمون ما كان يدور في بيوت أمهات المؤمنين..وعلي كرم الله وجهه..كان عائداً من ينبع عند وفاة الرسول..وكان فارق الرسول قبل حجة الوداع وذهب لليمن وأتى بأهلها حاجاً في الوداع..
نحن اليوم نجلس بفضل مجهود الأئمة الذين يسبهم البحيري..لعشرات من السنين ومئات العلماء يجمعون ما تفرق عند كل صحابي..حتى من كان يمشي مع رسول الله وحده وسمع كلمة منه..اليوم نعرفها..اليوم نعرف ما دار في بيوت أمهات المؤمنين..وما دار بين "علي" وأهل اليمن..وما كان يحدث في نفس اللحظة بين الرسول وأهل المدينة..على عكس ما كان الأمر في أيامهم..ف"علي" لم يعرف ما دار في المدينة وهو باليمن..ونحن اليوم نعرف كلا الحدثين..وهكذا كثير من الصحابة كان يفتقد أشياءاً من الأحكام وكانوا يجتهدون برأيهم فيما لم يعلموا أن فيه حكماً..فإما يصيبوا وإما يجدون ناصحاً أميناً..كمن نقل لعمر بن الخطاب النهي عن الخروج أو الدخول لأرض بها طاعون..وكان عمر خليفة ولم يكن يعلم..كذلك ورد النهي عن الحرق..ولم يكن "عليّ" حاضراً..ولم يحدث بعدها ما يستدعي أن يذكر الحكم أو النهي أمامه..ولم يخرج النهي الذي قاله النبي إلا عندما حدثت الحادثة..فتذكر إبن عباس النهي وقاله..ولأن إبن عباس كان إبن 13 عام يوم وفاة النبي..فقد علم بالضرورة أنه سمعها من النبي في نهاية عمره حيث كان إبن عباس إبن 12 أو 13 سنة ليستوعب ويحفظ..حيث كانت الأمور مستقرة وكان علي يسافر ويتاجر ويعمل ويفارق النبي..ويذهب مبعوثاً من النبي لليمن وغير ذلك..لذلك فليس هناك أدنى إلتباس أوحجةعقلية لإنكار معرفة إبن عباس شيء لم يعرفه "عليّ"..
البحيري يتعامل مع التراث بمنطقه هو وهو يرى في مكتبته كل التعاليم والتاريخ والأحداث..ويريد أن يعامل الصحابة على أنهم إجتمع لديهم ما إجتمع أمامه وهو جالس على مكتب..هذا البحيري شخص عفن الفكر والمنطق..كذاب مدلس..خدع الناس بقوله أنه دارس للتعامل مع التراث..وهو أجهل من أن يقرأ كتاباً في التراث بشكل صحيح..خاض بحراً لا قبل له به..فأغرقته أمواجه وأصبح يصعب عليه الخروج من غير أن تتخبطه الأمواج..وهو كالذباب تصبر عليه حيناً ثم إذا أطال الأمد تضربه ضربة ينتهي بها غير مأسوف عليه..وسرعان ما ينتهي ذلك اللغط الذي أثاره في المجتمع..وسيبقى البخاري واقفاً عالي المقام القامة..ذرات تراب تتساقط من حذاءه أعلى قدراً..وأعظم قيمة من البحيري وأمثاله.