السبت، 25 أكتوبر 2014

القرآن 4 (خلق الجنين ..شيء من الإعجاز)


من أهم الآيات في كتاب الله هي آية خلق الأجنة ..وقد إتخذت أهميتها -مع وصفها المعجز لأطوار الخلق في أدق حالاته -من هجوم المنكرين للإعجاز عليها ومحاولة تكذيبها بكل طريق..أو الوصول بها لمرحلة الحياد على أقل تقدير..

وقد ثار اللغط كثيراً حولها..فنسأل الله أن يكون كلامنا عليها كلاماً فصلاً ..نقطع به ألسنة المنكرين ..وقد آن لها أن تنقطع..

فكم الإعجاز الذي تذخر به هذه الأية مذهل بشكل حقيقي..

كما أن الله قد ذكرها في موطن البرهان على البعث..ومخاطبة منكري البعث بعين ما يفهمونه ويروه ويتمسكون به وهو العلم والمادة..وذكر الآية كبرهان على البعث يدل بشكل واضح الدلالة على أنها شديدة الدقة في الألفاظ..وليست ألفاظها مطاطة  كما يقول المنكرون..

الآية تقول  "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحماً ثم أنشأنه خلقاً أخر فتبارك الله أحسن الخالقين"

بدايةً.. الآية تتكلم عن أول مراحل تكون الجنين بعد التخصيب مباشرة ..وما تليها من مراحل متلاحقة قبل أن يتكون شكل للجنين يمكن رؤيته بالعين المجردة..فالنطفة..نقطة  دم..والعلقة أكبر قليلاً..والمضغة أكبر بشيء بسيط..وكلها مراحل لم تكتشف إلا بعد إختراع الميكروسكوب بل بعد تطويره في الخمسين عام الماضية..أما في عصر التنزيل وما تلاه من عصور حتى منتصف القرن العشرين ..كل هذا كان مجهولاً تماماً بالنسبة للعلوم الحديثة..ولم تكن ترى في السقط من الأجنة قديماً في المراحل الأولى..إلا دماءلا تميز ولا تستخرج منها لا نطفة ولا علقة ولا مضغة ولا غير ذلك..
ثم الترتيب والتعاقب الزمني في الآية ..هو الآخر درب من الإعجاز العلمي..

ف "ثم"في بداية الكلام تتكلم عن النطفة وهي ما إجتمع من ماء الرجل والمرأة وأصبح متحداً..تأخذ لها فترة في قرارها..ماأسماه الله "في قرار مكين"

و"ثم" تفيد التراخي..أي أنها تأخذوقتاً قبل التحول إلى الطور التالي..وهذا حادث فعلاً وطبعاً إكتشافه كان مؤخراً..

وعندما ذكرت الآية الأطوار فإنها عطفتها على بعضها ب"ف" والتي تفيد السرعة والتلاحق بين الأطوار..وكل هذا ثابت علمياً..فمراحل التطور الجنيني بعد تخطي مرحلة النطفة "نقطة الدم "هي مراحل سريعة متلاحقة لدرجة يصعب معها الرصد ..والمقارنة للزمن الذي تتطور فيه خليط النطفة ليكون علقة ..نسبياً مع المدد الزمنية للتحولات التالية..يؤكد دقة إستخدام الألفاظ "ثم" و "ف" كل في مكانه ..وهذا أمر معجز..

ثم الوصف ..فكلمة علقة تطلق على دودة تستخدم للعلاج وكل مانستطيعه لوصف هذه الدودة  هو الإستطالة والتعلق بجدار ..وهو كل ما نستطيع أن نصف به هذا الطور الجنيني فعلاً..فهوطور إستطال في الشكل عن مرحلة النطفة ..ومعلق بجدار الرحم بشكل ملحوظ وكأنه غرس فيه من الأعلى..ثم يتغير الشكل سريعاً..إلي مرحلة ليست مستطيلة الشكل بل كتلة صغيرة تشبه قطعة اللحم الممضوغ..أي لا شكل لها.. كتلة لحمية صغيرة وكفى..ويصفها الله مضغة..

ثم نأتي إلى بيت القصيد

فعندما تكلم الله عن خلق المضغة عظاماً ثم كسوتها باللحم..لم يتعرض لترتيت في الخلق..فقط ذكر أنه خلق المضغة عظاماً..أما كلمة كسونا فهي لا تعني بالضرورة أن اللحم خلق بعده أو قبله..إنه فقط يقرر أن اللحم لا يكسو العظام إلا بعد أن تكون العظام قد خلقت..وبرغم من أن هذا صحيح – العظام سبقت اللحم في التكون –إلا أن المعجز هو أن العظام تشكلت ..ثم أتتها الكسوة ..أي أنها لم تكن مكسوة..أي أن اللحم جاءها من مكان فكساها ..وليس نمواً معها..وهو ما ثبت فعلاً..أن الخلايا المكونة للعضلات ..تهاجر من مكان أخر إلى العظام لتكسوه ولم يكن الأمر آلية خلقية ..

فكلمة كسا في لغة تأتي بمعني..يغطي ..يعطي..يلبس..أي أن شيئا خارجياً عن الشئ أتاه فغطاه أو كساه

فقوله فكسونا ..لا يتعرض أصلاً لخلق اللحم ولا ميعاد أو ترتيب ظهوره..بل هو تقرير أن العظام خلقت ..وكسيت لحماً..

فمن إعجاز الآية أنك تجد فيها كل هذا..فالعظام خلقت قبل أن ينشأ عليها اللحم..وهذا أمر طبيعي منطقي..فعضلة الفخذ لم تقف في الفراغ ثم أتت عظمة الفخذ وإستقرت تحتها ..هذا كلام من لا يعقل..

وعظام الجمجمة تتكون ولا تنتظر لحماً ليكسوها..فالعظام هي الأصل ولها الأولوية في التكون ..ثم تكسو العضلات بعض العظام وليس كلها..فليس خلق كل العظام مرتبط بخلق العضلات

وأخيراً وليس آخراً ..فإننا لو إطلعنا على مرجع من أهم مراجع الأجنة في العصر الحديث..

“the developing human”

فإننا نجد في الجزء الذي يتكلم عن تاريخ علم الأجنة في العصور الوسطى..يذكر أن "تطور هذا العلم في هذا العصر كان ضعيفاً وفقيراً وبطيئاً جداً..وعلى الرغم من هذا فإننا نجد بعض أهم النقاط العالية عرفت في ذلك الوقت وهي مقررة لدينا وقد ذكرت في القرآن كتاب المسلمين المقدس"
ومن كل ما تقدم أستطيع أن أقطع بأن آية خلق الأجنة التي يهاجمها المنكرون للإعجاز..هي من أعظم آيات الإعجاز العلمي..في القرآن