السبت، 1 نوفمبر 2014

أولاد حارتنا..بدون تحيز أو تعصب


لقد قرأت رواية "أولاد حارتنا" بتأمل شديد..وربما برغبة شديدة في معرفة
 ماتحتويه الصفحات..وما قد نسج الكاتب من قصص معروفة لكل مطلع أو
 غير مطلع علي الكتب السماوية والرسالات والتعاليم الشفوية للأنبياء..والذي أراه
أن "محفوظ " لم يضف جديداً أو يعطي تفسيراً أو يجب علي الحياري من
 خلال القصة التي ربما كان الأجدر بها أن تجيب علي الأسئلة التي طرحتها

فإننا نفهم أن يكون للفن رسالة.. وللرواية غاية.. عندما تطرح سؤالاً وتجيب عليه.. بما
 يراه الكاتب أو بما يراه غيره.. أو أن ترصد أزمة ومشكلة ثم تقترح حلولاً..أما أن
 تطرح رواية أو عمل فني أسئلة من شأنها إثارة  البلبلة في العقول.. ثم تترك الإجابة
عليها بلا شيء.. فليس هذا فناً وليست الغاية من وراءه إثراء الفكر أو إشعال الحماس
أو توطيد مبدأ..

فالأسئلة التي طرحها "محفوظ "في روايته كلها إنما تعكس شيئاً واحداً وهو الحيرة
التي تدور برأسه هو شخصياً والتردد الذي يحياه وحالة الدوار والذهول التي تصيبه
من شؤون الله في خلقه..

فالقول بأن القصة لا تتناول الخلق و"الله" والرسل قول فارغ مغلوط.. لا يقوله إلا من
  لم يقرأ الرواية..فمجرد وصف الجبلاوي في أول الروايه يؤكد انه يقصد به خالق
 السماوات..وليس الدين كما يقول محفوظ نفسه..أما أدهم(ادم) وإدريس(إبليس)
فقصصهما متطابقة مع ما نعرفه من قصة بدء الخلق كذلك قدري وهمام وقنديل وجبل
ورفاعة وقاسم كلهم معروفون لا يتردد قارئ لحظة في التعرف عليهم أو التفكير
 مرتين من مجرد سرد أول قصصهم فضلاً عن النهايات..

وكان أحري بمحفوظ ان يتوقف عن هذه الترهات ..لأنه ليس لكل قارئ علم ومعرفة ..
 كما تتفاوت أقدار القراء وأنصبتهم في الإعتقاد وتكوين الأراء...وربما ينبني علي
قراءة هذه الرواية عند بعض القراء تردد وإنقلاب وبلبلة فكرية وحيرة تكافئ حيرة
المؤلف أو ربما تزيد عليها..

هناك بعض نقاط جيدة كما توجد مآخذ علي الرواية..مثل ألفاظها..ومعالم الرواية لم يتم تناولها وتغيير
 أحداثها أو إضافة شيء كثير عليها من وحي الكاتب بل إنه تناول قصة موسي عليه
 السلام(جبل)

من منظور يهودي وهذا يخفي فقط علي من لا يعرف نظرة اليهود لموسي..وقصة
رفاعة من منظور مسيحي ونهاية لا يراها هكذا إلا من كان مسيحياً أو ملحداً لا يري
نهاية مفهومة لرفاعة..أما قاسم فقد تناول القصة بإحترام يحسب له من منظور
إسلامي..كذلك نهاية القصة التي عادت بالعلم والإلحاد خاضعاً باحثاً عن إله وعن دين
 لابد له منه

بعض الألفاظ والأحداث التي وردت في القصة كانت أكثر بذاءة من أن ترد علي ألسنة
مصلحين فضلاً عن أن ترد علي ألسنة يعرفها القراء

خلاصة القول هنا أن محفوظ لا يستحق التكفير علي روايته ولكنه أيضاً لا يستحق عليها جائزة..وكان أولي بمن كفره أن يرد علي أسئلته التي جاءت علي ألسنة شخوصه..ربما إنتصح منها فهو أولي بالنصيحة منه بالتكفير

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

ليس بالعقل ولا بالعلم ..سجدت الملائكة لآدم

ربما تكون الإجابة على السؤال الأتي وماتليه من أسئلة إجابات–للبعض–صادمة
هل العقل هو سبب تشريف الإنسان علي سائر المخلوقات..؟
إن الذي رددته الألسنة وإعتادت العقول على الإتجاه إليه منذ عصور هو أن سبب تشريف الله للإنسان هو العقل..والذي كان سبباً في أمر الملائكة بالسجود للإنسان..فالعقل هو مناط التكليف والتشريف..ومن هنا كان ذريعة للقول بتقديس العقل ووضعه صنماً وهيكلاً ومعبدا..وسبباً للغرور والتكبر بالعقل..وربما وصل الإستكبار به إلي حد مناطحة الأوامر والنواهي والإعتراض عليها وردها لعدم قبول العقل لها..فهل هذا الكلام صحيح..هل العقل هو سبب أمر الملائكة بالسجود ؟؟
الذي نعرفه ولا يجادل فيه مجادل أن العقل هو مناط التكليف وبه يختار الإنسان المكلف بين الخير والشر والأضداد جميعها ولكن  لا يختلف أحد أيضاً أن جنس الجن هو الأخر مكلف مثل الإنسان..وقد أرسل رسول الله إلي الثقلين جميعاً..وهذا معناه إمتلاكهم العقل مناط التكليف فلا معني للتكليف بغير عقل يميز بين الإختيارات إما شاكراً وإما كفورا..والملائكة نعلم عنها أنها ذات عقل فهي تفهم ما تأخذه عن الله وتعبد الله وتنفذ أوامره لكنها عقول بلا شهوات..لذا فلا تكليف عليها برغم أن لها عقول..لأنها مقهورة على طريق واحد..ولم تحمل الأمانة التي حملها الإنسان..حرية الإختيار بين السبل..والتي حملها بما ركبه الله فيه من عقل وعلم وشهوة..فوجود التكليف يستلزم العقل..فلا تكليف علي الحيوان الأعجم الذي لا عقل له..لكن وجود العقل لا يستلزم التكليف ما إنتفى وجود العلم والشهوة..فخلق الله من جن وملائكة وبشر لديهم عقول..والخلق من جن وإنس مكلفون..والإنس له تشريف علي سائر الخلق..فهل إذن بالعقل الذي يستوي فيه مع الملائكة والجن يتشرف..أم بالتكليف الذي يستوي فيه هو والجن.؟؟؟
الجواب لا.. ليس التكليف ولا العقل  سبباً لتشريفه..
وإذا كان الأمر على هذا النحو..فما هو سبب تشريف الإنسان.؟؟..هل بالعلم؟؟
إن الذي يتأمل النصوص في الكتب المقدسة والقرآن وكذلك بالإستقراء والنظر والعلم والتجربة وفهم الحياة..يجد أن الملائكة أيضاً لديهم من العلم ما يسبق وجود الإنسان نفسه..وما يزيد على علم الإنسان في كل وقت..وقد قالوا "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"..والإنسان له علم علمه الله إياه لم تكن تعلمه الملائكة..والذي لا نشك فيه أن الجن علي علم أيضاً بأشياء لا علم للإنسان بها..واذا كان العلم متداولاً..لا يقتصر علي أحد..وكل جنس من المخلوقات له من العلم ما لم يأت الأخرين..والعلم يمكن إنتقاله من جنس لأخر بالتعليم والتلقين..فيجوز للتميز والتشريف بالعلم أن يتغير ويتبدل إذا تعلم الأقل تشريفاً وازداد علمه..ويصبح أكثر تشريفاً..إذا كان الأمر كذلك فلا مجال لتشريف الإنسان على سائر المخلوقات..حيث أنه من الممكن أن تتعلم الملائكة أو الشياطين علمه وتتفوق عليه..فتصبح أفضل وتستوجب سجوده لها..
الجواب لا..ليس العلم سبباً للتشريف..
فهل كان التشريف بسبب مادة الخلق كما حدثت إبليس نفسه..واستكبر علي أمر الله بالسجود بسبب منطقه العقلي..أن مادة النار أسمي من مادة الطين..إن إبليس لما قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين..كان منطقه العقلي سليماً..ولكن هل كان الأمر منطقاً عقلياً..وهل مطلوب من التكليف أن يكون متسقاً مع ماتطرحه العقول..؟بتعبير آخر..هل تشريف خلق علي خلق عند الله يكون بمادة الخلق التي خلق منها..؟؟
إن مشكلة إبليس أنه وضع نفسه محل خالقه وجادل فيما ليس له به علم..ووضع بعقله شروطاً وترك لعقله حبله علي غاربه ليستقي الأسباب ويحكم بها بغير نص يعمل العقل..فالعقل لغةً هوالربط.. بمعني كبح الجماح..فلو ترك الإنسان عقله بحريته فيما بينه وبين ربه لغوي وتكبر وتأبلس..كما حدث مع إبليس..فلا بد من نص يعمل العقل من خلاله ليعقل التفكير ويكبح جماح النفس المتعجله الغير عاقلة في ضوء العلم الذي يمنحه النص..والحاصل ان إبليس لم يسأل حتي عن سبب التشريف وإن كان هذا أيضاً غير وارد عند التكليف إلا انه أقل اشكالاً من التكبرعلي النص بالعقل..فإنه إفترض بعقله وقرر أن مادة الخلق هي مادة التشريف..وحكم بهذا وتكبر وعصي الأمر ولعن..فهل كان إبليس علي صواب أو كانت مادة التشريف هي عينها مادة الخلق..الجواب لا
فما هو الجواب إذن..
نري أن أسباب التشريف تحتاج إلى إلمام بعدة جوانب و وزنها جميعاً بميزان واحد للوصول إلى ما نعتقده سبباً للتشريف..فنقول وقولنا هو فكر نطرحه وعلى الجميع أن يفكر ويرى بنفسه لماذا شرفه الله كإنسان على سائر المخلوقات..وهل إنسجمت حياته وإختياراته في الدنيا مع هذا التشريف وأسبابه ومظاهره..أم أنه وضع نفسه موضعاً بين سائرالكائنات الدنيا بإختياراته الخاطئة بين طريق وطريق..ونبدأ فنقول..أولاً: إن الإنسان في القرآن هو خلق خلقه الله بيديه بشكل مباشر..أي باشره بيديه جل وعلا في التسوية والتشكيل..ولم يأمر بها ملك..وجعل مثل هذه الخاصية سبباً في معرض التشريف..فقال تعالى لإبليس "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي"..فلو  كان كل الخلق مخلوقين بيد الله مباشرة لم يكن للتخصيص في الأية موضع..
ثانياً:نحن نعلم من الحوار الذي دار بين الملائكة ورب العزة أن أدم لم يكن أول خلق في الأرض..بل كان هناك غيره من قبل وكان يسفك الدم ويفسد في الأرض..كما لم يستخدموا اللغة كوسيلة للتواصل..وأدم كان أول من تعلم الأسماء..أي أول من نطق باللسان وتعلم اللغة والحروف..وسط دهشة من الملائكة..فكان الإنسان أول خلق عاقل مكلف علمه الله الأسماء التي لم يعلمها الملائكة..ونحن نستطيع أن نجزم من علوم اللغويات أن إختراع الإنسان للغة ما..تعني أنه إستطاع أن يطلق علي كل شيء إسماً..أي أن تعليم أدم الأسماء كان بمنحه اللغة..وهو ما أبهر الملائكة..وهو ما إختصه الله به دون من سبقه من الخلق
ثالثاً:عندما قضى الله أمره وأخبر به الملائكة قال لهم خبراً..أثار أذهانهم وعقولهم..فقال "إني جاعل في الأرض خليفة "..وليس في هذه الجملة شيئاً غريباً أو مثيراً للتفكير سوى كلمة واحدة .." خليفة "..ومعنى "خليفة " يتنوع حيث أنها تفهم أنه خلق يخلف بعضه بعضاً..أي سلالة وتناسل يموت الأباء ويخلفهم الأبناء..ومنها أيضاً أنه يخلف الله في تطبيق شريعته وأمره في الأرض..وهذا المعنى أجده بعيداً..لأنه لم يكن ثمة شريعة في الأرض وقتها ليخلق الله خلقاً مخصوصاً ليطبقها..فالحاصل هنا أن الخلافة المقصودة..هي مناط التشريف..لماذا؟..لأن هذا الخليفة وبنيه أرواح تسكن الأجساد..تنال من الدنيا علماً..وتربية للأرواح والنفوس من كفاح الحوادث..وألام الحياة..وتعلم بعضها بعضاً..ثم تموت تاركة أجسادها..ويخلف بعضها بعضاً..يعيشون في الأرض يتعلموا مالم يكونوا يعلمون..ويحصلون على علم..يورثهم الإيمان..ولا يأتون إلى الكون معلمين لا مجال لإكتساب علم جديد..بل يكافحوا ليصلوا بالعلم الذي لم يكونوا يعلموه إلى الغيب..ويثبتوا بالعلم وجود الله والملائكة والبعث والمعاد..أو بكلمات أخرى..نقول إن كون الإنسان كائناً مادياً لم يشهد العالم الغيبي..فقد أصبح المخلوق الوحيد الذي يبحث بالعلم عن الغيب..ويثبته ويثبت العبودية لله بمعرفة قدرته وحكمته والإستدلال على ألوهيته وربوبيته ووحدانيته..
رابعاً:نفخ الروح..فقد قال الله " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "فالتسوية إتفقنا أنها كانت بيد الله مباشرة..أما سر الحياة فيه أن الحياة كانت نفخ الروح من روح الله..فهي ميزة ميز الله بها آدم وبنيه على سائر المخلوقات
خامساً:أنه بخلق الإنسان قد تمايز الخير والشر والأمر والنهي..وظهر العلم..وظهر ما كان خلق الله كلهم يجهلونه..كمعرفة من فيه الشر من الخلق..كإبليس وأعوانه وتابعيه..حيث لم يكونوا معلومين للملائكة والخلائق..ومعرفة صفات الشر كالإستعلاء والكبر والمعصية وكذلك معرفة من فيه خير وعلم ومعرفة وطاعة وتوبة وإنابة و مجاهدة..فخلق الإنسان قد أظهر ما خفي من طبائع خبيثة للخلق..فعرف الخلق الخير والشر والطاعة والمعصية..وبهذا ظهرت طبائع النفوس التي تستوجب الجنة والتي تستوجب النار..بل عرفت الحكمة من الجنة والنار..وتجلت صفات الله لخلقه كالرحمة والغضب والعفو والعلم والقدرة وغيرها من الصفات..
مما مضى نرى أن الإنسان قد شرفه الله على سائر المخلوقات وأسجد له أشرف المخلوقات قبله..وجعل له مقام الزعامة بينهم..ونحن هنا لا نبالغ..فعندما ننظر إلى الإمتيازات التي شرف الله بها أدم وبنيه نجده قد بلغ هذه المنزلة..فمن مظاهر هذا التشريف..إختياره للرسالات دون غيره..وإختصاصه بالشهادة والولاية..وجعل معاد بعث أبدان أدم وبنيه..معاداً للسموات والأرض..وإختصاصه بالإيمان بالغيب..لأنه الإيمان النافع..ومدار الإيمان تصديق الخبر وطاعة الأمر..تصديق الخبر بغير شبهة تقدح في التصديق..وإمتثال الأمر بغير شهوة تمنع الإمتثال..وهذا يستوجب الرحمة قبل حلول الغضب..فإبليس قد عاين عالم الغيب وأصبح له عالم الغيب وعالم الشهادة مستويين..وتلقى الأمر من الله مباشرة..لذا فإنه لا فكاك له من النار بمعصيته..أما الذين يؤمنون بالغيب فإن لهم من العذر عند ربهم ما ليس لمؤمني الشهادة..الحاصل من كل ما قلناه أن الإنسان لابد له من وضع تشريفه بين المخلوقات نصب عينيه في كل عمل وإختيار وخطوة يخطوها في حياته..وليعلم أن حياته ثمينة فلا يضيعها هباءاً..فهو لم يمنحها هباءاً ولا لهواً أو لعباً..لذا وجب عليه البحث والعمل والعلم..ليقوي دعائم إيمانه ويوطد عقيدته..لأنه إنما لأجل هذا خلق وأعطي الشرف دون غيره..وكان تكريمه سابقاً على عمله..فلا يضيع هذا التكريم في أثناء سيره إلى ربه..فما عمره إلا رحلة العودة إلى الله بعد أن نال التكريم ثم أهبط الأرض ليحمل الأمانة ويشهد على نفسه..ويعود إلى ربه وهو يعلم ما إستحق من جزاء وعقاب..

 

السبت، 25 أكتوبر 2014

القرآن 4 (خلق الجنين ..شيء من الإعجاز)


من أهم الآيات في كتاب الله هي آية خلق الأجنة ..وقد إتخذت أهميتها -مع وصفها المعجز لأطوار الخلق في أدق حالاته -من هجوم المنكرين للإعجاز عليها ومحاولة تكذيبها بكل طريق..أو الوصول بها لمرحلة الحياد على أقل تقدير..

وقد ثار اللغط كثيراً حولها..فنسأل الله أن يكون كلامنا عليها كلاماً فصلاً ..نقطع به ألسنة المنكرين ..وقد آن لها أن تنقطع..

فكم الإعجاز الذي تذخر به هذه الأية مذهل بشكل حقيقي..

كما أن الله قد ذكرها في موطن البرهان على البعث..ومخاطبة منكري البعث بعين ما يفهمونه ويروه ويتمسكون به وهو العلم والمادة..وذكر الآية كبرهان على البعث يدل بشكل واضح الدلالة على أنها شديدة الدقة في الألفاظ..وليست ألفاظها مطاطة  كما يقول المنكرون..

الآية تقول  "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحماً ثم أنشأنه خلقاً أخر فتبارك الله أحسن الخالقين"

بدايةً.. الآية تتكلم عن أول مراحل تكون الجنين بعد التخصيب مباشرة ..وما تليها من مراحل متلاحقة قبل أن يتكون شكل للجنين يمكن رؤيته بالعين المجردة..فالنطفة..نقطة  دم..والعلقة أكبر قليلاً..والمضغة أكبر بشيء بسيط..وكلها مراحل لم تكتشف إلا بعد إختراع الميكروسكوب بل بعد تطويره في الخمسين عام الماضية..أما في عصر التنزيل وما تلاه من عصور حتى منتصف القرن العشرين ..كل هذا كان مجهولاً تماماً بالنسبة للعلوم الحديثة..ولم تكن ترى في السقط من الأجنة قديماً في المراحل الأولى..إلا دماءلا تميز ولا تستخرج منها لا نطفة ولا علقة ولا مضغة ولا غير ذلك..
ثم الترتيب والتعاقب الزمني في الآية ..هو الآخر درب من الإعجاز العلمي..

ف "ثم"في بداية الكلام تتكلم عن النطفة وهي ما إجتمع من ماء الرجل والمرأة وأصبح متحداً..تأخذ لها فترة في قرارها..ماأسماه الله "في قرار مكين"

و"ثم" تفيد التراخي..أي أنها تأخذوقتاً قبل التحول إلى الطور التالي..وهذا حادث فعلاً وطبعاً إكتشافه كان مؤخراً..

وعندما ذكرت الآية الأطوار فإنها عطفتها على بعضها ب"ف" والتي تفيد السرعة والتلاحق بين الأطوار..وكل هذا ثابت علمياً..فمراحل التطور الجنيني بعد تخطي مرحلة النطفة "نقطة الدم "هي مراحل سريعة متلاحقة لدرجة يصعب معها الرصد ..والمقارنة للزمن الذي تتطور فيه خليط النطفة ليكون علقة ..نسبياً مع المدد الزمنية للتحولات التالية..يؤكد دقة إستخدام الألفاظ "ثم" و "ف" كل في مكانه ..وهذا أمر معجز..

ثم الوصف ..فكلمة علقة تطلق على دودة تستخدم للعلاج وكل مانستطيعه لوصف هذه الدودة  هو الإستطالة والتعلق بجدار ..وهو كل ما نستطيع أن نصف به هذا الطور الجنيني فعلاً..فهوطور إستطال في الشكل عن مرحلة النطفة ..ومعلق بجدار الرحم بشكل ملحوظ وكأنه غرس فيه من الأعلى..ثم يتغير الشكل سريعاً..إلي مرحلة ليست مستطيلة الشكل بل كتلة صغيرة تشبه قطعة اللحم الممضوغ..أي لا شكل لها.. كتلة لحمية صغيرة وكفى..ويصفها الله مضغة..

ثم نأتي إلى بيت القصيد

فعندما تكلم الله عن خلق المضغة عظاماً ثم كسوتها باللحم..لم يتعرض لترتيت في الخلق..فقط ذكر أنه خلق المضغة عظاماً..أما كلمة كسونا فهي لا تعني بالضرورة أن اللحم خلق بعده أو قبله..إنه فقط يقرر أن اللحم لا يكسو العظام إلا بعد أن تكون العظام قد خلقت..وبرغم من أن هذا صحيح – العظام سبقت اللحم في التكون –إلا أن المعجز هو أن العظام تشكلت ..ثم أتتها الكسوة ..أي أنها لم تكن مكسوة..أي أن اللحم جاءها من مكان فكساها ..وليس نمواً معها..وهو ما ثبت فعلاً..أن الخلايا المكونة للعضلات ..تهاجر من مكان أخر إلى العظام لتكسوه ولم يكن الأمر آلية خلقية ..

فكلمة كسا في لغة تأتي بمعني..يغطي ..يعطي..يلبس..أي أن شيئا خارجياً عن الشئ أتاه فغطاه أو كساه

فقوله فكسونا ..لا يتعرض أصلاً لخلق اللحم ولا ميعاد أو ترتيب ظهوره..بل هو تقرير أن العظام خلقت ..وكسيت لحماً..

فمن إعجاز الآية أنك تجد فيها كل هذا..فالعظام خلقت قبل أن ينشأ عليها اللحم..وهذا أمر طبيعي منطقي..فعضلة الفخذ لم تقف في الفراغ ثم أتت عظمة الفخذ وإستقرت تحتها ..هذا كلام من لا يعقل..

وعظام الجمجمة تتكون ولا تنتظر لحماً ليكسوها..فالعظام هي الأصل ولها الأولوية في التكون ..ثم تكسو العضلات بعض العظام وليس كلها..فليس خلق كل العظام مرتبط بخلق العضلات

وأخيراً وليس آخراً ..فإننا لو إطلعنا على مرجع من أهم مراجع الأجنة في العصر الحديث..

“the developing human”

فإننا نجد في الجزء الذي يتكلم عن تاريخ علم الأجنة في العصور الوسطى..يذكر أن "تطور هذا العلم في هذا العصر كان ضعيفاً وفقيراً وبطيئاً جداً..وعلى الرغم من هذا فإننا نجد بعض أهم النقاط العالية عرفت في ذلك الوقت وهي مقررة لدينا وقد ذكرت في القرآن كتاب المسلمين المقدس"
ومن كل ما تقدم أستطيع أن أقطع بأن آية خلق الأجنة التي يهاجمها المنكرون للإعجاز..هي من أعظم آيات الإعجاز العلمي..في القرآن

الخميس، 21 أغسطس 2014

سحر اليهود للنبي..والبخاري..وعقول الأقزام

أثار " أحد الناس" لغطاً كالعادة حول أحاديث البخاري وإتخذ حديث السحر اليهودي للرسول نموذجاً ليشغب به على الإمام الجليل..وعلى كتابه الصحيح الذي هو عمدة الكتب في النقل عن رسول الله..
لم أشرع في كتابة هذا الرد حتى سمعت عالماً نفسياً..يتحدث ويرمي البخاري بأنه سبب الإلحاد في الواقع الحديث..ورأيت العلمانيين يستغلون الموقف ليدعموا به موقفهم السابق المعروف المألوف.. فقد كانت لهم فرصه ذهبية ليلغطوا..ويكملوا طريق الهذيان الذي سلكوه من زمن ولم يرجعوا منه..وأظنهم لن يرجعوا حتى تذهب عقولهم..
ولنتفق مبدئيا على نقاط نعددها ولا نطيل
أولاً :البخاري طبعاً لم يتأثر بأقوال السفهاء الجهلاء في هذا العصر ولا في غيره..فالكتاب صحيح مقبول..والحديث صحيح معقول..والإعتراضات مردودة غير جديدة..ولم تهز الجبل الأشم والصرح العملاق..والبحر الزاخر..البخاري
ولقد سمعت شيخاً مفتوناً يملك عقلاً غير راجح.. ينكر البخاري ..فشهادته التي جعلته شيخاً ليست فرضاً علينا لنقبل منه كلامه..فهو مفتون معروف منذ زمان قريب..وهو من المنكرين للحديث..هذا رأيه.. فلينبذه في الماء وليشرب نبيذه ..
ثانياً:سحر السحرة لموسى كان كما أخبر الله..سحراً لأعين الناس وإسترهاباً لهم..فلم يكن سحراً حقيقياً بتسليط الجن..وإستخدام " أثر " للمسحور..فليس برابط بينه وبين سحر لبيد ابن أعصم للرسول..
نتفق على هذا..ولنشرع في الرد ونسأل الله السداد..
ليعلم إبتداءاً..أن المسحور شخص من إثنين..رجل تأخذ الجن عقله..فيهيم في الطرقات.. يهذي ولا يدري..ورجل تترصده الجن بتسليط ساحر لتؤذيه..كتفريق الأزواج وغيره..
فالعرب كانت تعرف الجن.. وأحوال المجنون " أي المسحور بجن "..ويعرفون عن أحوال الجن والمسحورين ما لا يعرفه شيخنا ولا عالمنا النفسي..وزعمهم أن النبي مسحور..أي أنه يهذي ويهيم في الطرقات بكلام غث تخرجه الجن على لسانه..حتى أتى مكة " ضماد " وهو رجل من أزد شنوءة يرقي من الجن..فقال له القرشيون ومنهم أبو سفيان..لا تلقى محمد ولا تسمع منه فإنه مجنون ..وأخاف أن تصيبك الجن..ولم يكن يعرف مقدرة "ضماد"..فقال ضماد في نفسه والله لأرقين محمداً هذا لعل الله يشفيه على يدي..
فلما ذهب للنبي وسمع منه بايعه على الإسلام وأنكر أن يكون مسحوراً..
الحاصل هنا أن المسحور والذي تتخبطه الجن كالمصروع والمجذوب وغيرهم أنماط معروفة كان العرب يعرفونها ويفطنون إليها..لم تكن مختلطة عن أحد.. وكلها بعيدة كل البعد عن رسول الله ولم تحدث له ولم تظهر عليه أعراض السحر في حياته حتى الممات..وهي التي كان القرشيون يعنونها عند وصفهم للرسول..فقول الجهلاء أن الحديث يثبت الأيه " إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً " هو قول رجل جاهل..أصم..أعمى الله قلبه وعقله وجعل على بصره غشاوة..فلا هو يعلم تفسير الأية..ولا عاين مجنوناً في حياته.. ولا عرف من أخبار مكة ولا أخبار الناس ما كانوا يرون في المسحور..وما كانوا يعنونه بوصف الرسول بالمسحور..ولا يعرف الفرق بين المسحور والمريض والسليم..ثم يسمي نفسه عالماً..أو مفكراً..
ونحن نعرف من الروايات المختلفة عن واقعة سحراليهود للنبي..أن ما كانوا يقصدونه ويريدونه - إن لم يكن محمد نبي – أن تذهب الجن بعقله..وهذا ما قالته أخت لبيد بن أعصم اليهودي.. فالسحر الذي صنع للنبي من السحر المائي المعقود الذي كان لا بد أن يذهب بعقله..وفي كتب السحر الكبيرة..ك " منبع أصول الحكمة " و "شمس المعارف الكبرى " وغيرهم..نعلم أن رسول الله بالفعل طبعه مائي عند المنجمين أي أن لبيد إبن أعصم كان سحره للرسول صحيحاً وموجهاً بقوة وموضوعاً في المكان الصحيح..فكان لابد وأن تبدأ التغيرات في الحدوث للرسول - إذا كان رجلاً مسحوراً - كأن يتحول من الهدوء للغضب ومن الطاعة للمعصية ويذهل عقله حتى يذهب بالكامل..
فهل ما حدث لرسول الله هو ما كان منتظراً من سحر لبيد ابن أعصم..إن قصارى ما حدث لرسول الله أنه مرض ورقد أياماً - على الراجح ثلاثة أيام – وليست أشهراً كما قيل..وكان مرضه في الرأس..حتى إحتجم..فلم يظهر عليه من الأعراض أكثر من مرض إستوجب عنده الحجامة في الرأس..ثم كان أنه يخيل له أنه يأتي النساء وما يأتيهم..وهنا اللفظ غير صريح في وصف هل كان يشتهي نساءه ثم يفتر..أم أنه يظن أنه عاشر زوجته ولما يفعل..فعلى إعتبار الأول فهو أمر لا إشكال فيه إذا كان السحر القوي الذي صنع قد بلغت قدراته أبلغ المدى على النبي أن جعله يفتر عن نساءه عند المعاشرة..فهذا قد يحدث للرجال بغير سحر بل قد يحدث من الضغط العصبي أو النفسي أو الأمراض البدنية..وعلى إعتبار الثاني..فلا إشكال أيضاً- وليست كما إدعي عالم النفس المدعي - أن إدراكه وعقله قد إختلط..بل إن التخييل قد يحدث لنا جميعاً..بغير سحر..فكم واحد منا - وهو صحيح معافى - قد إختلط في صلاته وخيل إليه أنه صلى أربع..ولم يصل إلا إثنين..بل قد حدثت لرسول الله نفسه بدون أمراض ولا سحر..فهذا إختلاط مقبول..وهو من جملة إستحواذ النقص على البشر..ومن منا في مرضه الشديد الذي يرقد فيه أياماً..لم يختلط مرة وترد عليه أفكارٌ وأحلامٌ..فإذا تنبه الإنسان تماماً..يسأل هل حدث كذا وكذا..هل فعلت كذا وكذا..فهو يجد صعوبة شديدة في تحديد ما إذا كان الأمر حلماً أم أمر واقع..إنه أمر واقع للجميع بغير سحر..فإذا كان سحر لبيد ابن أعصم..القوي الشديد الذي تشهد به كتب السحر..قد تسلط على رسول الله وكان أبلغ مداه أن جعله يختلط يوماً وهو مريض..كما يختلط الرجل منا وهو غير مسحور..أليس بهذا يكون الله قد عصمه..وأشهد المؤمنين والمسلمين واليهود والنصارى..بل أشهد الجن أنفسهم..أنه عصمه منهم برغم تسلطهم عليه ليذهب عقله..فكان إختلاطه تافهاً سطحياً..لم يروى عنه أنه أبعده عن الصلاة أو ذهل عنها بل نص الحديث أنه إستفتى الله..ودعا ودعا..أي أن عقله كان كاملاً واعياً صحيحاً..متعبداً..لم يختلط ولم يذهب ولم تتلاعب به الجن..بل لم يجعله عليه السلام يشعر بشيء خطير يستدعي أكثر من الحجامة..ثم إستقبل وحياً سليماً غير مختلط – كما يزعمون –بمكان السحر ومن فعله..وكانت الحادثة في بيته وبينه وبين زوجاته وربما كانت السيدة عائشة وحدها..لأنه كان إذا مرض فإنه يبقى في بيتها..خاصة إذا لم يطل به المرض – كما قلنا ثلاثة أيام -..فلم يروي أصحابه أنه خرج عليهم مسحوراً ولا مختلطاً ولا رأوه يهذي..ولا شكوا أنه مريض بعد عودته من خيبر..لهذا فإن الحديث لم يروه جمع غفير من الصحابة – كما إستنكر المنكرون – لأنه لم يكن بالشيء الملفت للصحابة بل كان مرضاًعابراً ألم برسول الله..بل ربما لم يمنع رسول الله عن صلاة الجماعة.. كما لم يمنعه مرض..ولم يؤذ فيها ذلك الفتى اليهودي الخادم..ولم يشأ رسول الله أن يثير على الناس شراً..فكتم الأمر بالجملة..حتى الفتي الخادم لم يرها بوجه رسول الله..والصحابة لم يكونوا كوكالات الأنباء..لينشروا أمراً كتمه رسول الله..بل كانوا يأتمروا بما أمر به بغير عصيان..
ومقام النبوة لا ينال منه أبداً أن الشياطين تحاول التسلط أو الإيذاء..فرسول الله أقر بأن لكل منا شيطان يوسوس له..حتى هو.."ولكن الله أعانني عليه فأسلم"..أي يسلم من وسوسته..فهذا أمر لم ينل من نبوة النبي..بل هو من كمال نبوته..وإثبات الأيه..والله يعصمك من الناس..فلا الناس قتلوه..ولا الجن غلبوه..برغم سحر لبيد بن أعصم الصحيح..
وأنا أعتقد أن المنكرين للحديث ينكرونه..لإنكارهم السحر من الأساس وربما الجن بالكلية..ولكنها خطوة قبل خطوة..فلو أنكروا الجن والسحر..لخرج لهم هذا الحديث..فإنكاره خطوة سابقة لأخرى لاحقة وهي إنكار ماوراء الطبيعة..وعالم الجن نفسه..ولكنها رمية بغير رامي..
تعب رسول الله أياماً ..ففرج الله عنه..وكانت محنته باباً لنعرف منه طرق العلاج وفهماً لعالم لم نكن لنفهمه..ولمعرفة أن الله هو المهيمن المسيطر مهما تسلطت الجن والإنس على أن يؤذوا المؤمن بشيء..لن يفعلوا إلا شيء قد قدره الله وأذن به..فإن دعا العبد ربه ولجأ وتضرع إلى الله..كشف الضر ولو كانت مجتمعة عليه الإنس والجن..فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا..هو حسبنا ونعم الوكيل

الخميس، 14 أغسطس 2014

الدجال..نظرة عن كثب

تعني كلمة الدجال لغة الكذاب أوالمخادع..ووصف المسيح الدجال هو وصف إسلامي..يقابله في النصرانية المسيح الكذاب..أو النبي الكذاب..وبرغم اختلاف المعتقد الإيماني في الدجال بين الديانات إلا أنهم مجمعون علي الإيمان بظهوره..فاليهود ينتظرون المسيح ليحكم بهم العالم ويضعهم فوق رؤوس الخلق..لأنهم لم يؤمنوا بعيسي عليه السلام كنبي..والنصارى ينتظرونه كإله يقوم بعد الموت..ويصعد للسماء ثم يعود في نهاية العالم ليضع بقية البشرعند حجمهم الحقيقي ويغفر للنصارى..ويخبرنا الإسلام بخروج دجال في آخرالزمان يدعي النبوة-ليجمع اليهود-ثم الألوهية فيجتمع له الكفرة من كل الأرض ويفرق عنه كل ذي لب..ويحدث له حادث لا نعرفه على وجه التحديد كحادث أوإشتباك تفقأ فيه عينه..فيصيرأعورا..ولا يعنينا التفصيل..فالنبوءة قالت أن بعد إدعاءه الألوهية تطمس عينه..ويحذرنا منه فإنه كذاب فلا هو بنبي ولا بإله ولكنه علامة من العلامات الكبرى التي إن خرجت لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيراً..ويخبرنا أيضاً أنه أعتى فتنة تأتي علي الأرض وأن كل الفتن التي يتعرض لها بني الإنسان ما هي إلا مقدمة لفتنة الدجال فمن سقط في الفتن في حياته ذلت قدمه مع الدجال..ومن عصم نفسه من الفتن عصمه الله من الدجال..
هذا تلخيص سريع لمجمل النظرات الدينية للدجال..والآن تبرزالمشكلات التي تجعلنا ننظر للدجال عن كثب..
هل هو من البشر أم أنه من غيرهم؟؟
هل هو موجود ومن أهل الدنيا أم أنه لم يولد بعد؟؟
هل هناك علامات سابقة لخروجه ؟؟
لماذا لم يذكر بالتحديد في القران ؟؟
كيف يخرج ويفتن ولا ينتبه له الكثير من الناس..برغم انتشار خبره في الاسلام علي وجه الخصوص؟؟
لماذا ينكره المنكرون ؟؟
هذه خطوط عريضة لما سنتكلم عنه ويأتي تفصيلها

بدايةً فإن الدجال علي الأقوال المشهورة لم يذكر عنه في كل ما روي عنه أنه من البشر كما لم يذكر أنه من الشياطين ولكننا نعتقد أن هناك إشارات تدل علي طبيعته المختلفة عن البشر..
فنحن نعلم مثلاً من مجمل الأحاديث ومن حديث الجساسة تحديداً أنه بالفعل كان موجوداً من عهد النبي عليه السلام أي يمكننا القول بأنه من المنظرين..ولا يشترط أن ينظر إلي يوم يبعثون ولكنه منظر إلي حين..وهذا الحين عندنا هو قتله علي يد عيسي ابن مريم عليه السلام..
ويؤكد هذا قول الرسول في غير موقف "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجكم دونه"
وقوله" ما من نبي إلا وحذر قومه الدجال"..وقوله لعمر في ابن صياد" إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله"..وكقول إبن صياد نفسه دفاعاً عن نفسه"إني لأعلم أين هو الآن في الأرض وأعرف أبويه"..

وعلى القول أنه من البشر المنظرين فهناك من يري أنه لم يكن ليخرج من حديث رسول الله "ما من نفس منفوسه علي الأرض يأتي عليها مئة عام وهي حية"
لذا فإنه يرجح أنه من الجن أو الشياطين..ويجوز أنه من البشر ولكنه من المنظرين ويستثني من حديث المئة عام لأنه معروف بأنه خارج لا محالة فلا معني لإستثنائه لفظاً..الأمر غير مجزوم به ولكن بإمكاننا أن نفهم أنه خلق مختلف ربما لم نعرفه أو يمرعلينا..صفاته الجسدية جسيمة لم نألفها كما أنه من الخلق المنظرين..

ثانياً من حديث الجساسة سنجد أن الدجال يتكلم عن أشياء مثل نخل بيسان وعين زغر وبحيرة طبرية..ولنا هنا ملاحظة مرت علي الكثيرين بغير إنتباه..لأن الدجال لم يربط بين خروجه وهذه الإشارات بشكل مباشر كما يظن الكثيرون..فقد سأل عن نخل بيسان ثم قال يوشك أن لا يثمر ولم يذكر أنه علامة خروجه..وسأل عن بحيرة طبرية وقال أن ماءها يوشك أن يذهب..ولم يقل أنه علامة خروجه..وعن عين زغر وزراعة أهلها منها ولم يعقب علي الأمر برمته..هنا نتنبه لنقطة غاية في الدقة..فإن ذهاب ماء طبرية ليس لزاماً لخروج الدجال بل ذهاب بعضه أو كثير منه فقط هو علامة زمان الدجال..وكذلك نخل بيسان..ومما يدل علي ذلك حديث يأجوج ومأجوج الذي يقول النبي فيه أنه يأتي أولهم علي طبرية فيشربون ما بها من الماء حتي يأتي آخرهم فيقولون كان هنا يوماً ماء.. ونحن نعلم أن يأجوج ومأجوج يأتون في عهد عيسي أي بعد الدجال..وهذ يدل علي عدم ذهاب ماء طبرية بالكامل قبل ظهور الدجال..بل يتبقي فيها ما يكفي ليشرب منه يأجوج ومأجوج الكثير ولكن لا يكفيهم كلهم لذهاب معظمه..
ومن هنا نعلم أن كلمة الدجال "يوشك ماؤها أن يذهب"لم يقصد بها علامة خروجه بل أنه الشر الذي إقترب وهو خروج يأجوج ومأجوج..والذي بخروجهم يوشك الماء أن يذهب..
ومن مجموع الأحاديث في السنة يمكننا أن نعرف العلامات السابقة للدجال..منها مثلاً فتنة الدهيماء التي ذكرها رسول الله في حديث الأحلاس والسراء- والتي يعتقد البعض أنها الثورات العربية -وقال أنها تقسم الناس لفسطاطين..فسطاط إيمان وفسطاط نفاق..و قال أنها تلبث إثني عشرعاماً..اذا رأيتم ذلك فانتظروا الدجال من يومه أو من غده..ومنها وصفه لهذه الفتنة بالصماء العمياء التي تمور مور الموج في البحر..ترمي بالناس إلي الدجال..ومنها وصفه لها أنها تحسر الفرات عن جبل من ذهب..أي أن الإنحسار وظهور الذهب والقتال عليه..علامة لخروجه وهذه العلامة من جفاف الفرات مذكورة في رؤيا يوحنا في الكتاب المقدس.."حيث يسكب الملاك السادس جامه علي النهر الفرات الكبير فيجف ماؤه "..

ومنها الملحمة الكبري بين المسلمين والروم..يشترط المسلمون ثلاث شرط..حتي إذا غنموا الحرب صرخ فيهم الصريخ أن خلفكم الدجال في أهليكم..
ومنها ثلاث سنوات من القحط تحبس السماء ثلث مائها والأرض ثلث ثمرها..ثم ثلثي الماء والثمر..ثم كل الماء وكل الثمر..

أما عدم ذكره في القرآن فهو أمر طبيعي..فالقرآن لا يذكر الفتن و لا يفصلها..إن يأجوج ومأجوج ليسا فتنة بل هما أيات وعلامات لا ينفع الناس إيمانها لم يكونوا آمنوا من قبل اذا خرجت وكذا الدابة التي تكلم الناس ليست بفتنة..
والأمر طبيعي أن لا تذكر الفتنة في القرآن.. وإلا فكيف يكون فتنة اصلاً..وإذا عرفه كل الناس بصفته ووصفه في القرآن لم تكن فتنته عظيمة بل لجاء وذهب ولم يفتن مخلوقاً..بل إني أضيف أن إنكار الدجال في عصرنا هذا من الفتن بل هو طبيعي و منتظر حتي يتناساه الذين سيتناسوه ويقل ذكره ومعرفة الناس به حتي اذا خرج لم يعرفه الكثير بصفة وكأن النبي لم يذكره بحال أصلاً..

الحاصل أن فتنته كفتنة قتل عثمان و الفتن الكبري في التاريخ لايذكرها القرآن ليس تفريطاً وإنما إمتحاناً لأن الفتنة لا تكون اختباراً إلا إذا إختلط فيها الحق والباطل فلا يراها علي حقيقتها إلا من أراه الله الحق حقاً والباطل باطلاً..فالفتن المرتبطة بحادثة معينة في زمان معين يختلط فيها الناس ويتلبس الباطل بصورة الحق ويلتبس الأمر علي الناس هي بحق الفتنة العظيمة والإختبار..فلا يصح تشبيهها كما قال قائل بفتنة المال والبنون المذكورة في القرآن فهي فتنة يومية مزمنة علي مدار الساعة نخلط فيها عملاً صالحاً وآخر سيئاً..وهي من مقدمات الدجال فإذا عصمنا منها أنفسنا عصمنا الله من الدجال..نسأل الله العافية..
أما لماذا ينكره المنكرون فهذه مشكلتهم.. حيث أنهم منكرون للحديث اصلاً ولا يعتقدون في النقل من الأساس..ولم تنكره فرقة من الفرق علي مدار التاريخ الاسلامي غير القاديانية وهم ليسوا بمسلمين..ثم من بعدهم من عرفوا بالمدرسة العقلية الحديثة..كمحمد عبده وتلاميذه..وهم من تجرعوا فلسفة "كانت " و " نيتشه " وغيرهم ثم لم يتقيؤها فاختلطت بدمهم وعظامهم..وصاروا ينكرون المعجزات من الاساس وينكرون الخوارق..ويقولون بالمذهب المادي وجبرية العالم وعدم إنفكاك الأسباب عن المسببات..وخلطوا ذلك بالايمان فخرج ذلك المذهب الواهي المجادل..وقد اندحرت الفلسفة الجبرية وانحصرت في عقول الماديين فقط..ولم تعد تلقى قبولا عند من عنده قدر من العلم الحقيقي الذي يعرف الأن في عصرالعلم.." إن الفيزياء الحديثة تحيا في تخوم الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة)" الجملة الأخيرة قالها أحد الحاصلين علي نوبل في الفيزياء في خطبة تسلمه للجائزة "..

الجمعة، 11 يوليو 2014

تباً للجميع ..

عندما كنت طفلاً..كنا إذا سمعنا عن اليهود..نستشعر الغضب ونتقمص شخصية عبد الناصر..الذي يتحدى ويأمم القناة..ويسب اليهود..ويجعلهم يخبطون ويتخبطون من الغيظ بل ربما من الخوف..أو نتقمص شخصية السادات الذي كدر حياة اليهود..أو ربما نتقمص شخصية رأفت الهجان الذي خدعهم وجعلم أضحوكة وإنهارت على يديه أسطورة الذكاء اليهودي..ربما كنا أطفالاً لا نعي ما نصنع..أو مخدوعين في ما نسمع ونرى..ربما كنا نحلم بالبطولة..وبصولات وجولات المحارب المنتصر..الذي إذا ذكر إسمه أمام العدو..إرتعد وإنتفض وهب من مكانه ليقف مستعداً للموت أو هارباً منه..
كبرت..لأرى بعيني..
رأيت مئة ألف عبد الناصر متغطرس بلا داعي..يملأ حياتنا بالكلمات..وفي الحرب تنهار الكلمات..رأيت البطل المهزوم يقف باكياً على قبور الأطفال والنساء..يبكي كالنساء..لا صولة ولا جولة..ولا تداول للأيام بين الناس..رأيت البطل الذي حلمت به أو حلمت أن أكونه..يسقط..وتنهار معه صورة المثل الأعلى..لم أرى إلا الدموع..والحزن..والألم..والهزيمة..والإنكسار..
شحوب..شحوب..على مد عيني..وشمس كأمنية خائبة..
البطل جثة هامدة..لم يقاتل ولم ينتفض..ظل واقفاً..حتى أتاه العدو..فلم يقاوم..مات غير مأسوف عليه..هلك عن غير بينة..ولا يقين..
لم يفهم أصلاً لماذا عاش..ولماذا يموت..
ستون  عاماً من الترقب..وأتاه العدو غفلة..
تباً لهذا البطل..تباً لكل أبطالنا الذين خذلونا..
تباً للأحلام التي حلمناها ولم تصنع فينا بطلاً واحداً..
تباً لمن جعلونا نحلم ونتحدى ونتوعد..ثم تركونا في مفترق الطرق كالأطفال تائهين حائرين..لا نعرف أين نذهب ولا كيف نعود..
اللعنة على طفولة الأحلام..
ليتني أعود الأن طفلاً..لأسأل كل من ملأوا مخيلتي بالبطولة..هل كنتم أبطالاً بحق..أم أنكم خدع وظلال لا حقيقة لها..تتبدد عندما تسطع الشمس على حقيقتكم المرة..سأتتبع خطواتي مرة أخرى لأرى كيف أخطأت وخدعت وسرت خلف أوهام..جعلتني اليوم أباً لا أعرف ماذا أحكي لأبنائي من قصص البطولة..أأحكي ثم أقول لهم لا تصدقوا..كل ما قلت لكم هراء وكذب..أم أجلس معهم أبحث عن قصة..عن بطل..عن أمل..عن حلم أخر لأجعلهم يحلموا به..ثم ينهار غداً مع أول ضوء للنهار القريب..ليعيشوا ما عشت..وكفى
تباً لكل ما عشناه وما نعيشه من هوان..
تباً للجميع.

في إنتظار المعجزة..

من يراقب حالنا عن كثب يجدنا  أمة تحيا في إنتظار المعجزة..نحن منذ زمن في إنتظار معجزة غامضة تحدث في كل شئ..بدأنا عندما فقدنا هويتنا وتمسحنا بهويات أخرى ومحيت قدراتنا واتكلنا علي قدرات غيرنا..فلما تخلى عنا هذا الغير..جلسنا عاجزين في إنتظار المعجزة..سلبت أوطاننا بيد من إرتمينا في أكنافهم بغية التقدم والترف..فوقفنا نستنزل اللعنات عليهم وننتظر أن يرينا الله فيهم آية..ثم طال الإنتظار وتطور فأصبح أسلوب حياة..فلم نعد نصنع شئ غير الإنتظار..ننتظر معجزة تنسف إسرائيل..ننتظر معجزة تعيد الوحدة بين الصفوف المتفرقة في الوطن وخارجه..ننتظر معجزة تجعلنا فجأة متطورين وفوق  كل الأمم المتقدمة..فكل من يعتدي علينا..نسأل الله أن ينسفه نسفاً..فهل نحن فعلاً هذا الداعي المظلوم..أم نحن متواكلون وعاجزون حتي أصبح المنتظرون للآيات أكثر من المؤمنين بها..فكلما نعق ناعق بكذبة معجزة تشبثنا بها وازددنا إرتكاناً وجموداً وتعلقت أمالنا بالمزيد من المعجزات..الثورة لم يكن لها قائد..لأننا لم نخطط بل كنا ننتظر الغيب أن يأتي بها كآية..ضحكوا علينا وسجنوا الجلاد لإسكاتنا فقلنا إنها آية..لو مرض من نحب قلنا خير له وأجر ولو مرض بنفس داء من نبغض قلنا إنها آيه..فهل أمرنا الله بإنتظار الآيات أو الدعاء بالمعجزات..إن تاريخ المعجزات في عمر الدنيا قليل جداً وعادة ما إرتبط بالأنبياء..حتي نزول العذاب من السماء علي الكافرين إمتنع بعد نزول التوراة علي موسي عليه السلام..حيث وكل الله المؤمنين بالحرث وإتخاذ العدة لأعدائهم..ولم يعد إلا عام الفيل حيث لم يبق علي الأرض مؤمن أصلاً إلا بقايا قليلة من أهل الكتاب لم تكن لتدافع عن شيء..فإلي أين أخذنا هذا الغموض المنتظر؟؟
أخذنا للتواكل وترك أي عمل يرفع أقدارنا..أخذنا إلي غموض أكبر وأصبحنا نحن الآيه بين الأمم..أخذنا إلي تصديق الأكاذيب كعلاج الايدز وفيروس سي..إلي تصديق أن أقوي شعوب الأرض تخاف منا ومن غضبنا الذي يصنع المعجزات..أخذنا لخلية نحل تشكلت على كلمة محمد..وسحابة علي شكل لفظ الجلالة..أردنا المعجزة أن تأتي وانشغلنا بالإنتظار بينما إنشغل غيرنا بصناعة المعجزة علي الأرض..عصورا من التأني والمراقبة أسفرت عن أمة عاطلة عن المجد والتطور..حتي في كرة القدم..إنتظرنا معجزة تحدث في مباراة عودة تعوض فشلنا في مباراة الذهاب..ولم نفكر إذا حدث وصعدنا..أي أداء سنؤديه وأي فضيحة سنفتضح..
لقد قال النبي لمن رأه يقول حسبي الله..إبلغ المعذرة ثم قل حسبي الله..ليس هذا يأسا أو إحباطاً..ولكن لا بد لنا من الخروج من الموسيقي التصويرية التي نحيا فيها وننتظر وصول المعجزة والبطل المعجزة والاختراع المعجزة..حتى لو كنا في أخر الزمن فلنغرس غرساً ثم لتقم الساعة..ولكن لا يمكن أن تظل أعمارنا إلي قيام الساعة غرفة إنتظار لمعجزة لن تأتي أبداً.

كذبوا و إتبعوا أهواءهم

يتخذ بعض الناس بعضاً من الأحاديث الصحيحة طريقاً للتقليب والتشغيب علي السنة وطريقاً لتكذيب ورد علم الحديث برمته..وهي طريقة قديمة ليست بجديدة علينا حتى وإن ظنوا أنفسهم أتوا بما لم تستطعه الأوائل..وحجة إعمال العقل في رد كل شيء حتى وإن كان غيبياً..هي غرور وضحالة علم وضيق أفق لا نستغربه عليهم..فنحن نرى أن للعقل مجاله..وللإيمان مجاله..نحن لا ننكر العقل أو إعماله ولكن كما قال العقاد في كتابه "التفكير فريضة إسلامية"..إن الإسلام لم يفرض أصل من أصوله يحجر علي العقل في تفكيره ولكنه فرض الجانب الذي وكله للإيمان من روح الإنسان وهو الجانب الذي يستحيل أن يقول العقل فيه كلمة أولى بالإتباع من كلمة الدين لأنه لن يستند إلي حجة أقوى من التي يرفضها..انتهى كلام العقاد
على كل نحن لن نهدي من أحببنا والخلاف في الرأي جائز ولا يخرجنا أو يخرجهم من الدين ما لم ننكر أو ينكروا معلوماً من الدين بالضرورة..
قرأت مقالأ يتكلم  كاتبه عن حديث "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"ونسج من وهمه صورة لصدمة غامضة ستلحق بالعوام الذين لا يشكون بعلم الحديث..وأخذ يطرح شدة هذا الحديث علي نفوسهم ويساعدهم -بزعمه-علي الاستفاقة من هذه الصدمة..ليرسم لهم بعد ذلك طرقاً ثلاثة لا مفر منها عند قراءة الحديث..كتكذيب علم الحديث أو تكذيب الرسول أو تصديق العلم والتحول الي أغبياء..لن أطيل أكثر ولندخل في الموضوع..
الحديث صحيح..ولا شبهة خطأ أو ضعف أو نكاره أو وضع..كما لا يوجد أي إشكال في القول بنسبته للرسول..كما لا يخزي أي إمرء أن يصدق خروج هذا القول من فم الرسول عليه االصلاة والسلام..ولكن صاحبنا فاته الكثير قبل أن يندفع في الكتابة والنقد..والأخذ والرد علي نفسه..نتيجة لرفضه المسبق أصلاً لأي رد..
فقد فاته مثلاً عندما إستنكر أن يأمر الرسول بعض الهن بغير كناية..أن الحديث قيل أصلاً بالكناية..وقد ذكر في أول مقاله أن كلمة هن كناية عن الفرج..فلم يقل الرسول كلمة "فرج" ولا " أير " صراحة ..بل كناها ب "هن"..وفاته أيضاً أن الرسول لم يذكر عنه في حياته ولا حتى في حديث ضعيف أنه أعض أحداً بهن أبيه عندما تعزى بعزاء الجاهلية..بل الثابت عنه أنه عندما تعزوا بعزاء الجاهلية فقال المهاجرين "يا للمهاجرين "و الأنصار"يا للأنصار"..قال لهم "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم..إتركوها فإنها منتنة"..ولم يقل لأحد "أعضض هن أبيك"..وقال في موقف لأبي ذر عير فيه رجلاً بأمه..أنت امرؤ فيك جاهلية..ولم يعضه بهن أبيه..ولم يأمر خصمه بذلك..
فالزاجرعندما يكون قوياً..كأن يكون المخطئ محكوماً عليه بالإهانة وهتك عورة الأب-وهي من دواعي فوران الدماء عند العرب وذوي الشرف -فإنه يؤتي ثماره ولا يكون حينها ضرورياً أو مأموراً به علي وجه الحتم والإلزام..
كما فات صاحبنا- وكما يفوتهم دائما -أن الصحابة بشر..لم يمشوا علي الأرض ملائكة ولم يطلب منهم ذلك..ونحن من بعدهم كذلك..فنحن نغضب ونرضى..وقد قال الله " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "..فإن إعتدي أحد علينا..فلا جناح أبداً أن نقتص بمثل ما إعتدي به علينا سواء باللفظ أو باليد أو بالسيف..فإن إعتدي علينا أحد بدعوى الجاهلية فنحن نعاقبه ونرد عن أنفسنا بما يليق..وبغير أن ندعو بدعوى جاهلية
فنحن بشر ولم ولن يأمرنا الله بأننا إذا ضربنا نعطي ضاربنا خدنا الأخر ليضربنا مرة أخرى بدعوى التسامح والسمو والعلو..
الأمر الذي لابد أن يفهمه صاحبنا وأمثاله والناس أجمعين..أن التسامح القهري هذا كان إصراً علي بني إسرائيل..أرسل به المسيح..عقاباً لهم علي تفريقهم في الحدود بين الناس وتطبيقهم الحدود علي الفقراء والضعفاء دون الأغنياء وكبار القوم..فأرسل يعاقبهم بعدم القصاص أصلاً و بالتسامح علي كل الأصعدة وبكل طريق..وليس هذا مقتضي إرادة الله في خلقه..إنه فقط إصر وعقاب..رفعه الله عنا..فنحن متروكون بالخيار بين القصاص الذي كان لا مفر منه عند اليهود..وبين التسامح الذي كان لا مفر منه عند النصارى..وكنا أمة وسطاً..إذا أردنا القصاص فلا جناح..وبغير جور..وبمثل ما إعتدي به علينا..وإذا أردنا أن نسامح فعند الله من الأجر ما يشفي الصدور..فإذا أمرنا الله بقتال وقتل من حاربنا..فلا إرهاب في هذا ولا خزي..لا ضرر ولا ضرار..وإذا أمرنا بعقاب من يتكبر علينا بقوميته أو بنسبه أو بكرم أصله..بأن نهينه بما يعيده إلي رشده..أو يمنعه من هذا أصلاً..فلا إشكال ولا صدمة ولا كل ما نسجه خيال صاحبنا حول الحديث..ليتطرق بعدها الي رد علم الحديث كله..وقد ثبت أن الرسول ترك أبا بكر يرد علي عروة إبن مسعود في الحديبية  بقوله "إمصص بظر اللات"عندما أهان الصحابة كلهم بقوله إنهم أوباش أحرى أن يفروا ويتركوا رسول الله..وقد كان وقعها علي عروة شديد حتى وضعها في مقابل إجارته لأبي بكر في الجاهلية..ولم يعد لها عروة ولم يستنكرها على الرسول وأتباعه بإعتبارهم دعاة الأخلاق..
ويجب على الجميع أن يعلم أن غير المسلمين الذين يستشهد صاحبنا برفضهم وإستنكارهم لمثل هذا الحديث..يدخلون الإسلام عندما يروا ما فيه من حرية إختيار القصاص أو العفو عند المقدرة..ليس العفو القهري بأمر إلهي أو نبوي..فليس في الحديث ما إدعاه من العار الذي يلحق بنا وبالاسلام وبالبخاري والرواة..في مثل هذا الحديث الصحيح الذي يؤكد أن الإسلام وضع كل شيء في موضعه الصحيح ورفع أصار وضعت علي الذين من قبلنا..

إذا كان أبو جهل سلفي..فإبليس علماني

ترددت كثيراً في الرد علي مقال سخيف كان عنوانه" هل كان أبو جهل سلفي؟"
لأني رأيت أن المقال لا يستحق عناء الرد..ولكني أقدمت علي هذا الآن لما وجدت بعض من أعرفهم يستشهدون به في كلامهم..فعرفت أنه قد إستطاع تضليل الناس بزائف القول..
والحق أقول إني متعجب من طريقة التفكير في عصرنا هذا..فإن إزدواجية المعايير أصبحت هي الحال السائد علي الأفكار..فالعلمانيون عادة ما يرون الشوكة في عيون المتدينين وينسون لوح الخشب في أحداقهم..
يتساءل كاتب المقال المشار إليه..هل كان أبوجهل سلفياً في عقيدته..مشيراً بهذا التساؤل السخيف لقول الكفار على مر العصور..حسبنا ما وجدنا عليه أباءنا..في كل جدال بينهم وبين الأنبياء..متهكماً بهذا على قول من ينتسب إلى المنهج السلفي..عندما يتكلم على فهم السلف الصالح من العلماء العاملين أو أهل القرون الأولى من التنزيل كالصحابة والتابعين..
فهل حقاً السلفية والكفر قريب من قريب أم أن بينهما كما بين السماء والأرض ..؟؟
يرى المتأمل لقول الكفار وحوارهم للأنبياء بالجدل والمراوغة أن الكفارإنما كانوا يتكبرون علي تسفيه عقول أباءهم المباشرين وأجدادهم القريبين والذين كانوا يأخذون منهم بغير فهم ولا تفكير..وإنما كان توقيرهم للكبير وإعطاؤه المنزلة والمكانة ونعته برجاحة العقل أولى عندهم حتى من الحق..فالكفار لم يكن لهم سلفٌ يعدونه أصل في الديانة كنبي وأصحابه..هم فقط يعترضوا علي من يسب أباءهم ويرميهم بالسفه..ويتحدثون عن الأباء والأجداد المباشرين الذين عاصروهم وتربوا على أيديهم وكبروا على توقيرهم..وسبابهم وتسفيهم يعتبر تسفيه للأحياء قبل الذين ماتوا..وكانوا دائماً ما يقولون على النبي أنهم ينكرون منه أنه سفه أحلامهم..أي أنها ثورة للكرامة وعدم قبول للإتهام في رجاحة العقل والحكمة التي هي مناط المنزلة عند العرب..وعند سائر الأقوام في العصور الماضية..
أما السلفية- بغض النظرعن الإتفاق والإختلاف معها في التفاصيل -فهي فكرة نقية تعود بالفكر إلي عصر محدد وهو عصر التنزيل وما أقره للنهل من النبع الصافي بدون تعكيرالتلوث والإنحراف الفكري علي مرالعصور..وهي مع هذا تجعله أصلاً يمكن البناء عليه والإجتهاد بعده ولا تسقطه بالكلية بحجة تقدم العصر..ولا تسقط المتقدمين عليه في تفكيرهم إلا عند الإختلاف الذي يصل الي التفريق والتمزيق..
فماذا فعل الكفار ؟؟
لقد كان أصل ديانتهم هي ملة إبراهيم..فتركوها إستحساناً لما أتي به "عمرو بن لحي"من الأصنام..والذي جاء به رسول الله هو العودة إلي ملة أسلافهم..ملة إبراهيم..فرفضوا السلفية بمعناها النقي وإستحبوا العمي علي الهدى..
فإن شئت قل أن كل الأنبياء بعد إبراهيم جاءوا يدعون قومهم إلي السلفية..إلي ملة أسلافهم كما نزلت علي إبراهيم عليه السلام..والكفار هم الذين كانوا يرفضونها..ويركنون إلي سفاهة أباءهم..
فلو كان أبو جهل سلفي ..لعاد إلي ملة إبراهيم وآمن بمحمد عليه السلام..
أما إذا إستقام في عقول العلمانيين الحاليين أن السلفية أصلها أبو جهل..فبنفس المنطق يكون الليبرالية أصلها إبليس..
فماذا فعل إبليس؟؟
كل ما فعله إبليس أنه غلب عقله علي النص..
فقد جاء النص بالسجود لأدم..ففكر بعقله أن النار أفضل من الطين..ثم إستكبر علي الأمر وإستعلي بعقله في مقابلة نص إلهي
ورد الأمر الذي جاءه من ربه لأن عقله لم يقبله فقال لعنه الله" أأسجد لمن خلقت طين".."أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"
لقد كان إبليس محقاً  في تغليب النارعلي الطين..لا شك أن مادة النار أسمي من مادة الطين..فهل كان محقاً أيضا في رد النص بعد هذا الاستنتاج الصحيح؟؟
الإجابة لا..
فالعقل لا يحسن ولا يقبح إذا جاء النص شرعاً..مهما رفض العقل..لأن الله لا يخلق خلقاً ثم ينظر ما الذي يوافق أهواءهم ويرضون به في نفوسهم..ثم يجعله نصاً عليهم..إذا كان الأمرهكذا فلا معنى للأمر والنهي..فليرى الناس إذن ما تستسيغه عقولهم ثم ليفعلوه ويتخذوه ديناً..هذا والله هوعين السفه وضعف العقل وقلة الحكمة..
ولقد رأينا في ظل حكم العلمانية أن ما إستحبته عقولهم وهدتهم إليه هو حرية الفحشاء وإجتراح السيئات..
إن الأمر إذا أتى من الله فلا يرد بالعقل تقبيحاً للأمر..فالعقل لا ينسخ أحكام الله..وإذا فعل فلن يستند أبداً إلي حجة وحكمة أقوي من التي يرفضها..ولقد كانت هذه هي الشبهة التي عرضت لإبليس فلعن وخرج من الرحمة..
ونحن بإمكاننا الآن أن نقول..إذا كان أبو جهل سلفي..فإبليس علماني.

حديث الذبابة..والعقول العمياء

أتعجب كثيراً من هؤلاء الذين يستنكرون حديث الذبابة الشهير ويكذبونه ويردونه..مدعين أنه يتنافر مع العقل والمنطق والفطرة السليمة..ويفترضون إستحالة أن يأمر به رسول الله..ويدعون أن العقل يرفض هذا القول بوجود دواء..وداء على جناحي ذبابة..أتعجب عندما أنظر إليهم..فأجدهم يجيزون أكل الميتة عند الإضطرار ولا ينفرون منه..برغم قذارة ونجاسة الميتة بغير صيد أو سفح دم..وأجدهم يجيزون الكحول عند الإضطرار..ولا يأنفون من لحم الخنزير عند الإضطرار وأحياناً بغير إضطرار..ويتلون قول الله "فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"..
تجدهم لا يأنفون من أكل العسل برغم خروجه من حشرة..لا يعلمون أين إنتقلت وذهبت وماذا حملت بين أرجلها وعلي جسدها من مرض..وموالح الأسماك ما لها وما عليها..أتراهم قد وجدوا أباءهم كذلك يفعلون..ففعلوا مثلهم..؟؟أم أسميها عبادة الموروث..كما يسمون المتدينين..؟؟أم أسميه فعل أعمى بغير عقل ولا تفكير..والحجة هي العادة أو الإضطرار..كل هذا أراه جلياً عندما أنظر إلى الحديث فأجد رسول الله لم يلزم أحداً ولم يعقد عزيمةً على أحد أن يغمس الذباب في إناءه قبل أن يلقيه ويشرب..مما يدل على أن هذا الفعل أيضاً كالأفعال التي يجيزونها " عند الإضطرار"..وعندما أجده لم ينقل عنه أنه غمسها وشرب..ولا نقل لنا أن الأمر إنتشر في الناس وصاروا جميعهم صائدي ذباب..مما يدل أيضاً أنه كان أمراً" عند الإضطرار " ..
عند الإضطرار..للذين يأنفون من هذا الفعل في الطبع ويشمئزون منه في الخلقة..ولكني لن أذهب بعيداً..إن ذهبت لمن يستسيغون مثل هذا الفعل طبعاً وخلقةً..كالشعوب التي تأكل الحشرات..والذين لن يجدوا في الحديث أي غضاضة أو مدعاة للإشمئزاز..بل ستكون نظرتهم له أنه أمر طبيعي لا يحتاج إلي توجيه نبوي..بل يزيدون على الذباب ربما عناكب أو ديدان ..
ثم أكتشف أن ناقدي الحديث ورافضيه..بدعوى العقل..لم يكلفوا عقولهم عناءاً..ولم يستخدموها أساساً في التفكير في متن الحديث..بل إستخدموها للنقد و محاولة الوصول إلي نتائج مسبقة على التفكير..وهي أن الحديث لابد أن نسير به في الطريق الذي ينتهي إلي كذب النص والراوي..مهما كان الكلام منطقياً..فإفترضوا أن كل الناس سواء..فكلهم يملك رفاهية التخلص من الطعام والشراب إذا مسه الذباب..ولم يفكروا هل في الحديث منطق مقبول..أم لا..بل طعنوا بغير تأني..ورموا رميةً بغير رامي..لأننا عندما نتأمل هذا الحديث فإننا نجد نصه غاية في المنطق والعقلانية..فالعقل يقول ما دامت الذبابة تعيش في كل هذا الكم من القاذورات محاطة بالأوبئة في جل يومها بل كل عمرها..فلا بد لها من قوة أو نشاط مضاد..يمكنها من الإستمرار في الحياة بغير ضرر والدفاع عن نفسها من كل هذا الكم من الأوبئة..كلام منطقي لذوي العقول البصيرة..لا لذوي العقول العمياء التي عميت عن كل شيء إلا عن الأهواء..حتى الأن نتكلم عن المنطق والعقل..لا عن العلم والطب..فبعد كل هذا نجد العلم يؤكد صحة الحديث..الأمر الذي ينقل الحديث من مجرد حديث ينتقده البعض ويدافع عنه البعض..إلي أحد دلائل النبوة..وأحد أقوي الدلائل على الإعجاز العلمي والطبي..وأحد أقوى الدلائل على صدق البخاري وأبو هريرة ورواة الصحيح..وأنهم كانوا أعظم وأفقه و أتقى من أن يكذبوا على رسول الله..وكان البخاري أعلم وأفهم وأعرف من كل مدعيي العلم في عصرنا..بصحة نهجه في الجرح والتعديل وأخبار الرجال والصادق والكاذب..وأحد أقوى الأدلة علي صغر شأن هؤلاء النقاد وضحالة عقولهم وزيغ أهواءهم..وسفاهة أحلامهم..وعمى أبصارهم وعقولهم..
وهنا أعرض في عجالة البحث الذي يثبت وجود الدواء على جسد الذبابة وأجنحتها..فقد قام عدد من الباحثين في جامعة إسترالية عام 2002 بعمل هذه الفرضية المنطقية (فرضية أن قدرة الذباب على العيش في أماكن اللحوم الفاسدة والفاكهة الفاسدة والأجساد الميتة ومجامع القمامة ومواطن الأوبئة تدل علي تملكه لمقومات المقاومة والتحصين ومكافحة هذه الأوبئة) وقالوا أنهم متأكدون أنهم أول من إفترضها وفكر في هذا المكان-ظهر ذبابة -ليبحثوا فيه عن مضاد بكتيري..وإستخدموا أربعة أنواع من الذباب كذبابة الفاكهة والذبابة المنزلية..و قاموا بتجميع ما علي سطح جسد الذباب..ووضعوه في مزرعة مع أنواع مختلفة من البكتيريا والجراثيم..وكانت النتيجة  كما قالوها" في كل مرة تمت ملاحظة نشاط مضاد للبكتيريا"..ومرفق في هذا المقال رابط للبحث العلمي الذي نص على ذلك ولمن أراد البحث يجده تحت عنوان
                                      "the new buzz on antibiotics"

http://www.abc.net.au/science/articles/2002/10/01/689400.htm

                                    أسأل الله أن ينير الأبصار والعقول والأفهام..

السقوط في فخ الزمن

لقد وقعنا في الفخ..
خطرت علي رأسي هذه الجملة عندما قرأت مقالاً يتحدث كاتبه عن مقولة لرجل ممن يعدون من الصفوة الفكرية الأن..المقولة هي"إن الله لم يتكلم من 1400 عام"..ووجدته يسوق كلاماً عجيباً يستدل به علي صحة هذا الهراء..وبدأت أفكاره تتداعي حتى تكلم عن أفكار هي أقرب للتعطيل..ولم أكن أتصور أن هذا الفكر الذي "عفا عليه الزمان" لا يزال يجد من يردده بمنتهى الحماقة وكأن تطور العلوم لم يرتقي بالعقول أو يطورها..ولكن العيب ليس في العلوم علي كل حال..وإنما في الأهواء التي إنحطت بأصحابها إلي نكسة بعيدة المدى كنكسة التعطيل..والسبب في نظري لهذا الفكر ككل..قديماً وحديثاً..هو الفخ الزمني..فسقطت عقول المعطلة قديماً في هذا الفخ..لكن المدهش حقاً أن عقول المفكرين في القرن الواحد والعشرين تقع في نفس الفخ..
فالزمن هو المعضلة الأكثر تعقيدا في هذا الموضوع..لأننا أسرى في الزمن ولا نستطيع الخروج منه ووصف أي شيء خارج إطاره..لأن أعمارنا نفسها هي الزمن الذي نعيشه..والخروج منه معناه الخروج من الحياة نفسها..ولأننا لا نملك مفردات نتكلم بها عما هو خارج إدراكنا..وشعورنا وتجربتنا..وبرغم هذا يمكننا أن نفهم ونعرف ونستنتج ونقترب من الحقائق وراء الادراك..
قلنا إن الزمن هو المشكلة..لأن الزمن الذي نعرفه هو عمرنا.. يمر بالإنتقال من حال إلي حال..نستوعبه بالتقلب بين الماضي والحاضر..فأنت مثلاً قرأت السطور السابقة وهذا ماضي..والأن تقرأ كلاماً أخر حاضراً ليصبح في السطور القادمة ماضي..وهكذا هو الزمن..إلي أن ينتهي العمر فنخرج من الزمن..وما نراه ساعات طويلة يصبح كلحظة..تماماً مثل النوم..تمر فيه الساعات ولا نشعر بها لتوقف إستيعابنا للأحداث وتغيرها من حال إلي حال..وندركه عند الإستيقاظ بإنقلاب الليل إلي نهار..أو رصده علي عقارب ساعة..
فهل هذا الحال جائز مع الله ؟؟
بالطبع لا..ولنقترب من الفكرة..يجب علينا فهم بعض المعطيات التي نعرفها عن الله..مما قاله الله عن نفسه..كأن يقول أنا الدهر..أي أن الله هو الزمن..وسباب الزمن هو إساءة لله نفسه..وعلمه للغيب المستقبلي وتدبيره..فماذا نستطيع أن نستنتج من هذه المعطيات؟؟
الواقع أنه يمكننا القول أن الزمن هو وجود نسبي..يحاكي الوجود المطلق الذي هو" الله " ولكنه له بداية وله نهاية- عكس الوجود الإلهي الأزلي الأبدي -وما بين البداية والنهاية نطلق عليه زمن..وتصبح كل حركة من البداية ماضياً كلما إتجهنا نحو النهاية..وبناءأ علي ذلك فإن الله كما نؤمن به كمسلمين..هو الدهر الأزلي الأبدي..أي لا بداية  له ولا نهاية..وكل الخلق منذ نشأة الكون إلي قيام الساعة..هو جزء منه يبتدي وينتهي..والمسافة بين هذه البداية وتلك النهاية تسمى"زمن"..وعليه..فنحن نؤمن أنه لا يجوزعلى الله أن يخضع لقوانين الزمن التي تأسرنا رغماً عنا..هكذا خلقنا الله ولا مفر لنا..أما هو فلا يتغير ولا يتبدل من حال إلي حال..وليس له ماضي..لذا فإنه لا يصح أصلاً- إن أفلتنا من الفخ الزمني -أن نقول أن الله سكت عن الكلام منذ كذا وكذا..أو توقف عن فعل ما مثل ما يتم تداوله علي ألسنة المعطلة..لأن هذا يعني بالضرورة الإنتقال بين الأحوال والماضي والحاضر..لذلك فإن معتقد أهل السنة أن الله لا يزال فاعلاً..لا يزال متكلماً..
وربما أستشهد هنا بكلمات رجل غير مسلم..يتكلم مستنداً إلي منهج عقلي بحت بعيداً عن المعتقدات الدينية الإسلامية..أو أقوال أهل السنة..لعل هذا يقرب الفكرة أكثر..ففي كتابه"الزمن والخلود "يقول" براين  ليفتو"..إن مفهوم الإله الموجود خارج الزمان وخارج المكان..يتمشى مع نظرية النسبية الخاصة لأينشتين..والتي تنظر للوجود بإعتباره رباعي الأبعاد..وأن الزمن هو بعده الرابع..مع الأبعاد المكانية الفراغية الثلاث..ومن ثم..فإن الإله الذي لا يحده المكان..ينبغي أن يكون خارج الزمان..ويعيننا إدراكنا لوجود الإله خارج الزمان..على التوصل إلي الكثير من صفاته..فوجوده خارج الزمان معناه أنه لا ينسى..فنحن ننسى ما حدث في الماضي..والإله لا ماضي عنده..ويعني ذلك أيضا أنه لا يتوقف عن الفعل..فالتوقف عن فعل ما..يعني إنتهاء زمن هذا الفعل..وهكذا
كذلك قولنا بأن هذا الإله خارج الزمان معناه أن كل شيء يفعله..فإنه يفعله لحظياً..فهو لا يفعل شيئا قبل شيء..ولكن قد تظهر لنا بعض أفعاله قبل البعض الأخر..
إنتهى من كتاب الزمن و الخلود..
من هنا نقول أن فكر التعطيل عبارة عن فراغ فكري و ضيق أفق أقرب للمراهقة العقلية..لا تستقيم في الفكر السليم فضلاً عن الإعتقاد..سقط في هذا المستنقع..المعطلة قاصري العقول..وسقط فيه بعض مفكري القرن الواحد والعشرين بسذاجة عقول وسماجة فكر وسطحية فهم..أو رفضاً وعناداً لعلماء الإسلام أو من ينتسبون بشكل أو بأخر للعلوم الشرعية..ولا معنى لحماقتهم هذه إلا السقوط في فخ الزمن.