الجمعة، 11 يوليو 2014

تباً للجميع ..

عندما كنت طفلاً..كنا إذا سمعنا عن اليهود..نستشعر الغضب ونتقمص شخصية عبد الناصر..الذي يتحدى ويأمم القناة..ويسب اليهود..ويجعلهم يخبطون ويتخبطون من الغيظ بل ربما من الخوف..أو نتقمص شخصية السادات الذي كدر حياة اليهود..أو ربما نتقمص شخصية رأفت الهجان الذي خدعهم وجعلم أضحوكة وإنهارت على يديه أسطورة الذكاء اليهودي..ربما كنا أطفالاً لا نعي ما نصنع..أو مخدوعين في ما نسمع ونرى..ربما كنا نحلم بالبطولة..وبصولات وجولات المحارب المنتصر..الذي إذا ذكر إسمه أمام العدو..إرتعد وإنتفض وهب من مكانه ليقف مستعداً للموت أو هارباً منه..
كبرت..لأرى بعيني..
رأيت مئة ألف عبد الناصر متغطرس بلا داعي..يملأ حياتنا بالكلمات..وفي الحرب تنهار الكلمات..رأيت البطل المهزوم يقف باكياً على قبور الأطفال والنساء..يبكي كالنساء..لا صولة ولا جولة..ولا تداول للأيام بين الناس..رأيت البطل الذي حلمت به أو حلمت أن أكونه..يسقط..وتنهار معه صورة المثل الأعلى..لم أرى إلا الدموع..والحزن..والألم..والهزيمة..والإنكسار..
شحوب..شحوب..على مد عيني..وشمس كأمنية خائبة..
البطل جثة هامدة..لم يقاتل ولم ينتفض..ظل واقفاً..حتى أتاه العدو..فلم يقاوم..مات غير مأسوف عليه..هلك عن غير بينة..ولا يقين..
لم يفهم أصلاً لماذا عاش..ولماذا يموت..
ستون  عاماً من الترقب..وأتاه العدو غفلة..
تباً لهذا البطل..تباً لكل أبطالنا الذين خذلونا..
تباً للأحلام التي حلمناها ولم تصنع فينا بطلاً واحداً..
تباً لمن جعلونا نحلم ونتحدى ونتوعد..ثم تركونا في مفترق الطرق كالأطفال تائهين حائرين..لا نعرف أين نذهب ولا كيف نعود..
اللعنة على طفولة الأحلام..
ليتني أعود الأن طفلاً..لأسأل كل من ملأوا مخيلتي بالبطولة..هل كنتم أبطالاً بحق..أم أنكم خدع وظلال لا حقيقة لها..تتبدد عندما تسطع الشمس على حقيقتكم المرة..سأتتبع خطواتي مرة أخرى لأرى كيف أخطأت وخدعت وسرت خلف أوهام..جعلتني اليوم أباً لا أعرف ماذا أحكي لأبنائي من قصص البطولة..أأحكي ثم أقول لهم لا تصدقوا..كل ما قلت لكم هراء وكذب..أم أجلس معهم أبحث عن قصة..عن بطل..عن أمل..عن حلم أخر لأجعلهم يحلموا به..ثم ينهار غداً مع أول ضوء للنهار القريب..ليعيشوا ما عشت..وكفى
تباً لكل ما عشناه وما نعيشه من هوان..
تباً للجميع.

في إنتظار المعجزة..

من يراقب حالنا عن كثب يجدنا  أمة تحيا في إنتظار المعجزة..نحن منذ زمن في إنتظار معجزة غامضة تحدث في كل شئ..بدأنا عندما فقدنا هويتنا وتمسحنا بهويات أخرى ومحيت قدراتنا واتكلنا علي قدرات غيرنا..فلما تخلى عنا هذا الغير..جلسنا عاجزين في إنتظار المعجزة..سلبت أوطاننا بيد من إرتمينا في أكنافهم بغية التقدم والترف..فوقفنا نستنزل اللعنات عليهم وننتظر أن يرينا الله فيهم آية..ثم طال الإنتظار وتطور فأصبح أسلوب حياة..فلم نعد نصنع شئ غير الإنتظار..ننتظر معجزة تنسف إسرائيل..ننتظر معجزة تعيد الوحدة بين الصفوف المتفرقة في الوطن وخارجه..ننتظر معجزة تجعلنا فجأة متطورين وفوق  كل الأمم المتقدمة..فكل من يعتدي علينا..نسأل الله أن ينسفه نسفاً..فهل نحن فعلاً هذا الداعي المظلوم..أم نحن متواكلون وعاجزون حتي أصبح المنتظرون للآيات أكثر من المؤمنين بها..فكلما نعق ناعق بكذبة معجزة تشبثنا بها وازددنا إرتكاناً وجموداً وتعلقت أمالنا بالمزيد من المعجزات..الثورة لم يكن لها قائد..لأننا لم نخطط بل كنا ننتظر الغيب أن يأتي بها كآية..ضحكوا علينا وسجنوا الجلاد لإسكاتنا فقلنا إنها آية..لو مرض من نحب قلنا خير له وأجر ولو مرض بنفس داء من نبغض قلنا إنها آيه..فهل أمرنا الله بإنتظار الآيات أو الدعاء بالمعجزات..إن تاريخ المعجزات في عمر الدنيا قليل جداً وعادة ما إرتبط بالأنبياء..حتي نزول العذاب من السماء علي الكافرين إمتنع بعد نزول التوراة علي موسي عليه السلام..حيث وكل الله المؤمنين بالحرث وإتخاذ العدة لأعدائهم..ولم يعد إلا عام الفيل حيث لم يبق علي الأرض مؤمن أصلاً إلا بقايا قليلة من أهل الكتاب لم تكن لتدافع عن شيء..فإلي أين أخذنا هذا الغموض المنتظر؟؟
أخذنا للتواكل وترك أي عمل يرفع أقدارنا..أخذنا إلي غموض أكبر وأصبحنا نحن الآيه بين الأمم..أخذنا إلي تصديق الأكاذيب كعلاج الايدز وفيروس سي..إلي تصديق أن أقوي شعوب الأرض تخاف منا ومن غضبنا الذي يصنع المعجزات..أخذنا لخلية نحل تشكلت على كلمة محمد..وسحابة علي شكل لفظ الجلالة..أردنا المعجزة أن تأتي وانشغلنا بالإنتظار بينما إنشغل غيرنا بصناعة المعجزة علي الأرض..عصورا من التأني والمراقبة أسفرت عن أمة عاطلة عن المجد والتطور..حتي في كرة القدم..إنتظرنا معجزة تحدث في مباراة عودة تعوض فشلنا في مباراة الذهاب..ولم نفكر إذا حدث وصعدنا..أي أداء سنؤديه وأي فضيحة سنفتضح..
لقد قال النبي لمن رأه يقول حسبي الله..إبلغ المعذرة ثم قل حسبي الله..ليس هذا يأسا أو إحباطاً..ولكن لا بد لنا من الخروج من الموسيقي التصويرية التي نحيا فيها وننتظر وصول المعجزة والبطل المعجزة والاختراع المعجزة..حتى لو كنا في أخر الزمن فلنغرس غرساً ثم لتقم الساعة..ولكن لا يمكن أن تظل أعمارنا إلي قيام الساعة غرفة إنتظار لمعجزة لن تأتي أبداً.

كذبوا و إتبعوا أهواءهم

يتخذ بعض الناس بعضاً من الأحاديث الصحيحة طريقاً للتقليب والتشغيب علي السنة وطريقاً لتكذيب ورد علم الحديث برمته..وهي طريقة قديمة ليست بجديدة علينا حتى وإن ظنوا أنفسهم أتوا بما لم تستطعه الأوائل..وحجة إعمال العقل في رد كل شيء حتى وإن كان غيبياً..هي غرور وضحالة علم وضيق أفق لا نستغربه عليهم..فنحن نرى أن للعقل مجاله..وللإيمان مجاله..نحن لا ننكر العقل أو إعماله ولكن كما قال العقاد في كتابه "التفكير فريضة إسلامية"..إن الإسلام لم يفرض أصل من أصوله يحجر علي العقل في تفكيره ولكنه فرض الجانب الذي وكله للإيمان من روح الإنسان وهو الجانب الذي يستحيل أن يقول العقل فيه كلمة أولى بالإتباع من كلمة الدين لأنه لن يستند إلي حجة أقوى من التي يرفضها..انتهى كلام العقاد
على كل نحن لن نهدي من أحببنا والخلاف في الرأي جائز ولا يخرجنا أو يخرجهم من الدين ما لم ننكر أو ينكروا معلوماً من الدين بالضرورة..
قرأت مقالأ يتكلم  كاتبه عن حديث "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"ونسج من وهمه صورة لصدمة غامضة ستلحق بالعوام الذين لا يشكون بعلم الحديث..وأخذ يطرح شدة هذا الحديث علي نفوسهم ويساعدهم -بزعمه-علي الاستفاقة من هذه الصدمة..ليرسم لهم بعد ذلك طرقاً ثلاثة لا مفر منها عند قراءة الحديث..كتكذيب علم الحديث أو تكذيب الرسول أو تصديق العلم والتحول الي أغبياء..لن أطيل أكثر ولندخل في الموضوع..
الحديث صحيح..ولا شبهة خطأ أو ضعف أو نكاره أو وضع..كما لا يوجد أي إشكال في القول بنسبته للرسول..كما لا يخزي أي إمرء أن يصدق خروج هذا القول من فم الرسول عليه االصلاة والسلام..ولكن صاحبنا فاته الكثير قبل أن يندفع في الكتابة والنقد..والأخذ والرد علي نفسه..نتيجة لرفضه المسبق أصلاً لأي رد..
فقد فاته مثلاً عندما إستنكر أن يأمر الرسول بعض الهن بغير كناية..أن الحديث قيل أصلاً بالكناية..وقد ذكر في أول مقاله أن كلمة هن كناية عن الفرج..فلم يقل الرسول كلمة "فرج" ولا " أير " صراحة ..بل كناها ب "هن"..وفاته أيضاً أن الرسول لم يذكر عنه في حياته ولا حتى في حديث ضعيف أنه أعض أحداً بهن أبيه عندما تعزى بعزاء الجاهلية..بل الثابت عنه أنه عندما تعزوا بعزاء الجاهلية فقال المهاجرين "يا للمهاجرين "و الأنصار"يا للأنصار"..قال لهم "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم..إتركوها فإنها منتنة"..ولم يقل لأحد "أعضض هن أبيك"..وقال في موقف لأبي ذر عير فيه رجلاً بأمه..أنت امرؤ فيك جاهلية..ولم يعضه بهن أبيه..ولم يأمر خصمه بذلك..
فالزاجرعندما يكون قوياً..كأن يكون المخطئ محكوماً عليه بالإهانة وهتك عورة الأب-وهي من دواعي فوران الدماء عند العرب وذوي الشرف -فإنه يؤتي ثماره ولا يكون حينها ضرورياً أو مأموراً به علي وجه الحتم والإلزام..
كما فات صاحبنا- وكما يفوتهم دائما -أن الصحابة بشر..لم يمشوا علي الأرض ملائكة ولم يطلب منهم ذلك..ونحن من بعدهم كذلك..فنحن نغضب ونرضى..وقد قال الله " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "..فإن إعتدي أحد علينا..فلا جناح أبداً أن نقتص بمثل ما إعتدي به علينا سواء باللفظ أو باليد أو بالسيف..فإن إعتدي علينا أحد بدعوى الجاهلية فنحن نعاقبه ونرد عن أنفسنا بما يليق..وبغير أن ندعو بدعوى جاهلية
فنحن بشر ولم ولن يأمرنا الله بأننا إذا ضربنا نعطي ضاربنا خدنا الأخر ليضربنا مرة أخرى بدعوى التسامح والسمو والعلو..
الأمر الذي لابد أن يفهمه صاحبنا وأمثاله والناس أجمعين..أن التسامح القهري هذا كان إصراً علي بني إسرائيل..أرسل به المسيح..عقاباً لهم علي تفريقهم في الحدود بين الناس وتطبيقهم الحدود علي الفقراء والضعفاء دون الأغنياء وكبار القوم..فأرسل يعاقبهم بعدم القصاص أصلاً و بالتسامح علي كل الأصعدة وبكل طريق..وليس هذا مقتضي إرادة الله في خلقه..إنه فقط إصر وعقاب..رفعه الله عنا..فنحن متروكون بالخيار بين القصاص الذي كان لا مفر منه عند اليهود..وبين التسامح الذي كان لا مفر منه عند النصارى..وكنا أمة وسطاً..إذا أردنا القصاص فلا جناح..وبغير جور..وبمثل ما إعتدي به علينا..وإذا أردنا أن نسامح فعند الله من الأجر ما يشفي الصدور..فإذا أمرنا الله بقتال وقتل من حاربنا..فلا إرهاب في هذا ولا خزي..لا ضرر ولا ضرار..وإذا أمرنا بعقاب من يتكبر علينا بقوميته أو بنسبه أو بكرم أصله..بأن نهينه بما يعيده إلي رشده..أو يمنعه من هذا أصلاً..فلا إشكال ولا صدمة ولا كل ما نسجه خيال صاحبنا حول الحديث..ليتطرق بعدها الي رد علم الحديث كله..وقد ثبت أن الرسول ترك أبا بكر يرد علي عروة إبن مسعود في الحديبية  بقوله "إمصص بظر اللات"عندما أهان الصحابة كلهم بقوله إنهم أوباش أحرى أن يفروا ويتركوا رسول الله..وقد كان وقعها علي عروة شديد حتى وضعها في مقابل إجارته لأبي بكر في الجاهلية..ولم يعد لها عروة ولم يستنكرها على الرسول وأتباعه بإعتبارهم دعاة الأخلاق..
ويجب على الجميع أن يعلم أن غير المسلمين الذين يستشهد صاحبنا برفضهم وإستنكارهم لمثل هذا الحديث..يدخلون الإسلام عندما يروا ما فيه من حرية إختيار القصاص أو العفو عند المقدرة..ليس العفو القهري بأمر إلهي أو نبوي..فليس في الحديث ما إدعاه من العار الذي يلحق بنا وبالاسلام وبالبخاري والرواة..في مثل هذا الحديث الصحيح الذي يؤكد أن الإسلام وضع كل شيء في موضعه الصحيح ورفع أصار وضعت علي الذين من قبلنا..

إذا كان أبو جهل سلفي..فإبليس علماني

ترددت كثيراً في الرد علي مقال سخيف كان عنوانه" هل كان أبو جهل سلفي؟"
لأني رأيت أن المقال لا يستحق عناء الرد..ولكني أقدمت علي هذا الآن لما وجدت بعض من أعرفهم يستشهدون به في كلامهم..فعرفت أنه قد إستطاع تضليل الناس بزائف القول..
والحق أقول إني متعجب من طريقة التفكير في عصرنا هذا..فإن إزدواجية المعايير أصبحت هي الحال السائد علي الأفكار..فالعلمانيون عادة ما يرون الشوكة في عيون المتدينين وينسون لوح الخشب في أحداقهم..
يتساءل كاتب المقال المشار إليه..هل كان أبوجهل سلفياً في عقيدته..مشيراً بهذا التساؤل السخيف لقول الكفار على مر العصور..حسبنا ما وجدنا عليه أباءنا..في كل جدال بينهم وبين الأنبياء..متهكماً بهذا على قول من ينتسب إلى المنهج السلفي..عندما يتكلم على فهم السلف الصالح من العلماء العاملين أو أهل القرون الأولى من التنزيل كالصحابة والتابعين..
فهل حقاً السلفية والكفر قريب من قريب أم أن بينهما كما بين السماء والأرض ..؟؟
يرى المتأمل لقول الكفار وحوارهم للأنبياء بالجدل والمراوغة أن الكفارإنما كانوا يتكبرون علي تسفيه عقول أباءهم المباشرين وأجدادهم القريبين والذين كانوا يأخذون منهم بغير فهم ولا تفكير..وإنما كان توقيرهم للكبير وإعطاؤه المنزلة والمكانة ونعته برجاحة العقل أولى عندهم حتى من الحق..فالكفار لم يكن لهم سلفٌ يعدونه أصل في الديانة كنبي وأصحابه..هم فقط يعترضوا علي من يسب أباءهم ويرميهم بالسفه..ويتحدثون عن الأباء والأجداد المباشرين الذين عاصروهم وتربوا على أيديهم وكبروا على توقيرهم..وسبابهم وتسفيهم يعتبر تسفيه للأحياء قبل الذين ماتوا..وكانوا دائماً ما يقولون على النبي أنهم ينكرون منه أنه سفه أحلامهم..أي أنها ثورة للكرامة وعدم قبول للإتهام في رجاحة العقل والحكمة التي هي مناط المنزلة عند العرب..وعند سائر الأقوام في العصور الماضية..
أما السلفية- بغض النظرعن الإتفاق والإختلاف معها في التفاصيل -فهي فكرة نقية تعود بالفكر إلي عصر محدد وهو عصر التنزيل وما أقره للنهل من النبع الصافي بدون تعكيرالتلوث والإنحراف الفكري علي مرالعصور..وهي مع هذا تجعله أصلاً يمكن البناء عليه والإجتهاد بعده ولا تسقطه بالكلية بحجة تقدم العصر..ولا تسقط المتقدمين عليه في تفكيرهم إلا عند الإختلاف الذي يصل الي التفريق والتمزيق..
فماذا فعل الكفار ؟؟
لقد كان أصل ديانتهم هي ملة إبراهيم..فتركوها إستحساناً لما أتي به "عمرو بن لحي"من الأصنام..والذي جاء به رسول الله هو العودة إلي ملة أسلافهم..ملة إبراهيم..فرفضوا السلفية بمعناها النقي وإستحبوا العمي علي الهدى..
فإن شئت قل أن كل الأنبياء بعد إبراهيم جاءوا يدعون قومهم إلي السلفية..إلي ملة أسلافهم كما نزلت علي إبراهيم عليه السلام..والكفار هم الذين كانوا يرفضونها..ويركنون إلي سفاهة أباءهم..
فلو كان أبو جهل سلفي ..لعاد إلي ملة إبراهيم وآمن بمحمد عليه السلام..
أما إذا إستقام في عقول العلمانيين الحاليين أن السلفية أصلها أبو جهل..فبنفس المنطق يكون الليبرالية أصلها إبليس..
فماذا فعل إبليس؟؟
كل ما فعله إبليس أنه غلب عقله علي النص..
فقد جاء النص بالسجود لأدم..ففكر بعقله أن النار أفضل من الطين..ثم إستكبر علي الأمر وإستعلي بعقله في مقابلة نص إلهي
ورد الأمر الذي جاءه من ربه لأن عقله لم يقبله فقال لعنه الله" أأسجد لمن خلقت طين".."أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"
لقد كان إبليس محقاً  في تغليب النارعلي الطين..لا شك أن مادة النار أسمي من مادة الطين..فهل كان محقاً أيضا في رد النص بعد هذا الاستنتاج الصحيح؟؟
الإجابة لا..
فالعقل لا يحسن ولا يقبح إذا جاء النص شرعاً..مهما رفض العقل..لأن الله لا يخلق خلقاً ثم ينظر ما الذي يوافق أهواءهم ويرضون به في نفوسهم..ثم يجعله نصاً عليهم..إذا كان الأمرهكذا فلا معنى للأمر والنهي..فليرى الناس إذن ما تستسيغه عقولهم ثم ليفعلوه ويتخذوه ديناً..هذا والله هوعين السفه وضعف العقل وقلة الحكمة..
ولقد رأينا في ظل حكم العلمانية أن ما إستحبته عقولهم وهدتهم إليه هو حرية الفحشاء وإجتراح السيئات..
إن الأمر إذا أتى من الله فلا يرد بالعقل تقبيحاً للأمر..فالعقل لا ينسخ أحكام الله..وإذا فعل فلن يستند أبداً إلي حجة وحكمة أقوي من التي يرفضها..ولقد كانت هذه هي الشبهة التي عرضت لإبليس فلعن وخرج من الرحمة..
ونحن بإمكاننا الآن أن نقول..إذا كان أبو جهل سلفي..فإبليس علماني.

حديث الذبابة..والعقول العمياء

أتعجب كثيراً من هؤلاء الذين يستنكرون حديث الذبابة الشهير ويكذبونه ويردونه..مدعين أنه يتنافر مع العقل والمنطق والفطرة السليمة..ويفترضون إستحالة أن يأمر به رسول الله..ويدعون أن العقل يرفض هذا القول بوجود دواء..وداء على جناحي ذبابة..أتعجب عندما أنظر إليهم..فأجدهم يجيزون أكل الميتة عند الإضطرار ولا ينفرون منه..برغم قذارة ونجاسة الميتة بغير صيد أو سفح دم..وأجدهم يجيزون الكحول عند الإضطرار..ولا يأنفون من لحم الخنزير عند الإضطرار وأحياناً بغير إضطرار..ويتلون قول الله "فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"..
تجدهم لا يأنفون من أكل العسل برغم خروجه من حشرة..لا يعلمون أين إنتقلت وذهبت وماذا حملت بين أرجلها وعلي جسدها من مرض..وموالح الأسماك ما لها وما عليها..أتراهم قد وجدوا أباءهم كذلك يفعلون..ففعلوا مثلهم..؟؟أم أسميها عبادة الموروث..كما يسمون المتدينين..؟؟أم أسميه فعل أعمى بغير عقل ولا تفكير..والحجة هي العادة أو الإضطرار..كل هذا أراه جلياً عندما أنظر إلى الحديث فأجد رسول الله لم يلزم أحداً ولم يعقد عزيمةً على أحد أن يغمس الذباب في إناءه قبل أن يلقيه ويشرب..مما يدل على أن هذا الفعل أيضاً كالأفعال التي يجيزونها " عند الإضطرار"..وعندما أجده لم ينقل عنه أنه غمسها وشرب..ولا نقل لنا أن الأمر إنتشر في الناس وصاروا جميعهم صائدي ذباب..مما يدل أيضاً أنه كان أمراً" عند الإضطرار " ..
عند الإضطرار..للذين يأنفون من هذا الفعل في الطبع ويشمئزون منه في الخلقة..ولكني لن أذهب بعيداً..إن ذهبت لمن يستسيغون مثل هذا الفعل طبعاً وخلقةً..كالشعوب التي تأكل الحشرات..والذين لن يجدوا في الحديث أي غضاضة أو مدعاة للإشمئزاز..بل ستكون نظرتهم له أنه أمر طبيعي لا يحتاج إلي توجيه نبوي..بل يزيدون على الذباب ربما عناكب أو ديدان ..
ثم أكتشف أن ناقدي الحديث ورافضيه..بدعوى العقل..لم يكلفوا عقولهم عناءاً..ولم يستخدموها أساساً في التفكير في متن الحديث..بل إستخدموها للنقد و محاولة الوصول إلي نتائج مسبقة على التفكير..وهي أن الحديث لابد أن نسير به في الطريق الذي ينتهي إلي كذب النص والراوي..مهما كان الكلام منطقياً..فإفترضوا أن كل الناس سواء..فكلهم يملك رفاهية التخلص من الطعام والشراب إذا مسه الذباب..ولم يفكروا هل في الحديث منطق مقبول..أم لا..بل طعنوا بغير تأني..ورموا رميةً بغير رامي..لأننا عندما نتأمل هذا الحديث فإننا نجد نصه غاية في المنطق والعقلانية..فالعقل يقول ما دامت الذبابة تعيش في كل هذا الكم من القاذورات محاطة بالأوبئة في جل يومها بل كل عمرها..فلا بد لها من قوة أو نشاط مضاد..يمكنها من الإستمرار في الحياة بغير ضرر والدفاع عن نفسها من كل هذا الكم من الأوبئة..كلام منطقي لذوي العقول البصيرة..لا لذوي العقول العمياء التي عميت عن كل شيء إلا عن الأهواء..حتى الأن نتكلم عن المنطق والعقل..لا عن العلم والطب..فبعد كل هذا نجد العلم يؤكد صحة الحديث..الأمر الذي ينقل الحديث من مجرد حديث ينتقده البعض ويدافع عنه البعض..إلي أحد دلائل النبوة..وأحد أقوي الدلائل على الإعجاز العلمي والطبي..وأحد أقوى الدلائل على صدق البخاري وأبو هريرة ورواة الصحيح..وأنهم كانوا أعظم وأفقه و أتقى من أن يكذبوا على رسول الله..وكان البخاري أعلم وأفهم وأعرف من كل مدعيي العلم في عصرنا..بصحة نهجه في الجرح والتعديل وأخبار الرجال والصادق والكاذب..وأحد أقوى الأدلة علي صغر شأن هؤلاء النقاد وضحالة عقولهم وزيغ أهواءهم..وسفاهة أحلامهم..وعمى أبصارهم وعقولهم..
وهنا أعرض في عجالة البحث الذي يثبت وجود الدواء على جسد الذبابة وأجنحتها..فقد قام عدد من الباحثين في جامعة إسترالية عام 2002 بعمل هذه الفرضية المنطقية (فرضية أن قدرة الذباب على العيش في أماكن اللحوم الفاسدة والفاكهة الفاسدة والأجساد الميتة ومجامع القمامة ومواطن الأوبئة تدل علي تملكه لمقومات المقاومة والتحصين ومكافحة هذه الأوبئة) وقالوا أنهم متأكدون أنهم أول من إفترضها وفكر في هذا المكان-ظهر ذبابة -ليبحثوا فيه عن مضاد بكتيري..وإستخدموا أربعة أنواع من الذباب كذبابة الفاكهة والذبابة المنزلية..و قاموا بتجميع ما علي سطح جسد الذباب..ووضعوه في مزرعة مع أنواع مختلفة من البكتيريا والجراثيم..وكانت النتيجة  كما قالوها" في كل مرة تمت ملاحظة نشاط مضاد للبكتيريا"..ومرفق في هذا المقال رابط للبحث العلمي الذي نص على ذلك ولمن أراد البحث يجده تحت عنوان
                                      "the new buzz on antibiotics"

http://www.abc.net.au/science/articles/2002/10/01/689400.htm

                                    أسأل الله أن ينير الأبصار والعقول والأفهام..

السقوط في فخ الزمن

لقد وقعنا في الفخ..
خطرت علي رأسي هذه الجملة عندما قرأت مقالاً يتحدث كاتبه عن مقولة لرجل ممن يعدون من الصفوة الفكرية الأن..المقولة هي"إن الله لم يتكلم من 1400 عام"..ووجدته يسوق كلاماً عجيباً يستدل به علي صحة هذا الهراء..وبدأت أفكاره تتداعي حتى تكلم عن أفكار هي أقرب للتعطيل..ولم أكن أتصور أن هذا الفكر الذي "عفا عليه الزمان" لا يزال يجد من يردده بمنتهى الحماقة وكأن تطور العلوم لم يرتقي بالعقول أو يطورها..ولكن العيب ليس في العلوم علي كل حال..وإنما في الأهواء التي إنحطت بأصحابها إلي نكسة بعيدة المدى كنكسة التعطيل..والسبب في نظري لهذا الفكر ككل..قديماً وحديثاً..هو الفخ الزمني..فسقطت عقول المعطلة قديماً في هذا الفخ..لكن المدهش حقاً أن عقول المفكرين في القرن الواحد والعشرين تقع في نفس الفخ..
فالزمن هو المعضلة الأكثر تعقيدا في هذا الموضوع..لأننا أسرى في الزمن ولا نستطيع الخروج منه ووصف أي شيء خارج إطاره..لأن أعمارنا نفسها هي الزمن الذي نعيشه..والخروج منه معناه الخروج من الحياة نفسها..ولأننا لا نملك مفردات نتكلم بها عما هو خارج إدراكنا..وشعورنا وتجربتنا..وبرغم هذا يمكننا أن نفهم ونعرف ونستنتج ونقترب من الحقائق وراء الادراك..
قلنا إن الزمن هو المشكلة..لأن الزمن الذي نعرفه هو عمرنا.. يمر بالإنتقال من حال إلي حال..نستوعبه بالتقلب بين الماضي والحاضر..فأنت مثلاً قرأت السطور السابقة وهذا ماضي..والأن تقرأ كلاماً أخر حاضراً ليصبح في السطور القادمة ماضي..وهكذا هو الزمن..إلي أن ينتهي العمر فنخرج من الزمن..وما نراه ساعات طويلة يصبح كلحظة..تماماً مثل النوم..تمر فيه الساعات ولا نشعر بها لتوقف إستيعابنا للأحداث وتغيرها من حال إلي حال..وندركه عند الإستيقاظ بإنقلاب الليل إلي نهار..أو رصده علي عقارب ساعة..
فهل هذا الحال جائز مع الله ؟؟
بالطبع لا..ولنقترب من الفكرة..يجب علينا فهم بعض المعطيات التي نعرفها عن الله..مما قاله الله عن نفسه..كأن يقول أنا الدهر..أي أن الله هو الزمن..وسباب الزمن هو إساءة لله نفسه..وعلمه للغيب المستقبلي وتدبيره..فماذا نستطيع أن نستنتج من هذه المعطيات؟؟
الواقع أنه يمكننا القول أن الزمن هو وجود نسبي..يحاكي الوجود المطلق الذي هو" الله " ولكنه له بداية وله نهاية- عكس الوجود الإلهي الأزلي الأبدي -وما بين البداية والنهاية نطلق عليه زمن..وتصبح كل حركة من البداية ماضياً كلما إتجهنا نحو النهاية..وبناءأ علي ذلك فإن الله كما نؤمن به كمسلمين..هو الدهر الأزلي الأبدي..أي لا بداية  له ولا نهاية..وكل الخلق منذ نشأة الكون إلي قيام الساعة..هو جزء منه يبتدي وينتهي..والمسافة بين هذه البداية وتلك النهاية تسمى"زمن"..وعليه..فنحن نؤمن أنه لا يجوزعلى الله أن يخضع لقوانين الزمن التي تأسرنا رغماً عنا..هكذا خلقنا الله ولا مفر لنا..أما هو فلا يتغير ولا يتبدل من حال إلي حال..وليس له ماضي..لذا فإنه لا يصح أصلاً- إن أفلتنا من الفخ الزمني -أن نقول أن الله سكت عن الكلام منذ كذا وكذا..أو توقف عن فعل ما مثل ما يتم تداوله علي ألسنة المعطلة..لأن هذا يعني بالضرورة الإنتقال بين الأحوال والماضي والحاضر..لذلك فإن معتقد أهل السنة أن الله لا يزال فاعلاً..لا يزال متكلماً..
وربما أستشهد هنا بكلمات رجل غير مسلم..يتكلم مستنداً إلي منهج عقلي بحت بعيداً عن المعتقدات الدينية الإسلامية..أو أقوال أهل السنة..لعل هذا يقرب الفكرة أكثر..ففي كتابه"الزمن والخلود "يقول" براين  ليفتو"..إن مفهوم الإله الموجود خارج الزمان وخارج المكان..يتمشى مع نظرية النسبية الخاصة لأينشتين..والتي تنظر للوجود بإعتباره رباعي الأبعاد..وأن الزمن هو بعده الرابع..مع الأبعاد المكانية الفراغية الثلاث..ومن ثم..فإن الإله الذي لا يحده المكان..ينبغي أن يكون خارج الزمان..ويعيننا إدراكنا لوجود الإله خارج الزمان..على التوصل إلي الكثير من صفاته..فوجوده خارج الزمان معناه أنه لا ينسى..فنحن ننسى ما حدث في الماضي..والإله لا ماضي عنده..ويعني ذلك أيضا أنه لا يتوقف عن الفعل..فالتوقف عن فعل ما..يعني إنتهاء زمن هذا الفعل..وهكذا
كذلك قولنا بأن هذا الإله خارج الزمان معناه أن كل شيء يفعله..فإنه يفعله لحظياً..فهو لا يفعل شيئا قبل شيء..ولكن قد تظهر لنا بعض أفعاله قبل البعض الأخر..
إنتهى من كتاب الزمن و الخلود..
من هنا نقول أن فكر التعطيل عبارة عن فراغ فكري و ضيق أفق أقرب للمراهقة العقلية..لا تستقيم في الفكر السليم فضلاً عن الإعتقاد..سقط في هذا المستنقع..المعطلة قاصري العقول..وسقط فيه بعض مفكري القرن الواحد والعشرين بسذاجة عقول وسماجة فكر وسطحية فهم..أو رفضاً وعناداً لعلماء الإسلام أو من ينتسبون بشكل أو بأخر للعلوم الشرعية..ولا معنى لحماقتهم هذه إلا السقوط في فخ الزمن.