السبت، 3 يناير 2015

حد الردة..مواجهة الزحف الوثني

إن النظرة المتأنية لتورايخ البشر والأديان منذ ظهور الإنسان على الأرض إلى اليوم..تدل بلا أدنى خلاف على ظاهرة على قدر متساوي من الخطورة والجلاء..وهي الزحف الوثني..
لقد صدق إبليسُ على كثير من الناس ظنه..فقد إستطاع إبليس أن يوسوس لأوليائه من البشر من أتباع الأديان على مر العصور بعد موت الأنبياء أصحاب الرسالات في كل عصر..لتبدأ مع موتهم موجات الزحف الوثني..فبموت النبي صاحب الرسالة..يبدأ الشك أولاً في الرسالة..والإختلاف على النبي والكتاب الذي جاء به..ومن ثم يوجد طريقان..فقد يُقضى على الشك في مهده أو يستمر فيرتد الناس إلى الإلحاد..ومن ثم إلى أي دين أخر..أو يبدأ التشكك في بعض أحكام الشريعة التي جاء بها نبي ذلك الزمان..فيعطل الأتباع بعض الأحكام إما بدافع العقل أو بدافع تقدم الزمان عن زمان النبوة..أو بدافع من معصية النفوس وقسوة القلوب..وربما يبدأ وقتها تبديل الأحكام..ومشكلة كل عصر كانت تكمن في أن المرتد عن الدين يُترك ليبث سمومه في الناس..فما أن يرتد رجل حتى يتشجع الضعاف فيرتدوا..ومن ثم يثار اللغط في المجتمع..ثم تكون الفتنة الطامة..يتكلم المرتدون ويبثون أفكارهم الباطلة في الناس..وعقول الناس ليست واحدة..كذلك فإن قلوبهم شتى..هناك من يقتنع فيرتد وهناك من يزيغ قلبه بين هذا وذاك..فلا يرتد ولكن يعمد إلى تبديل الأحكام..ليمنع القيل والقال عن دينه ومعتقده..وهناك من يتمسك على حرف..وهناك من يتقوى بإيمانه حتى يأتيه الموت وهو على ذلك..كذلك تتناقل الأفكار والتعاليم بين الناس كما ينتقل الهواء..ومع الأيام ينتهي المطاف إلى دين يسيطر عليه الشك الذي يرمي إلى الإنكار والإلحاد..أو إلى عقيدة تسيطر عليها الوثنية ولا يبقي من تعاليم النبي المرسل إلا بقايا من سيرته..التي تجعل لوثنية المعتقد قداسة التنزيل..
المشكلة التي واجهها الإسلام عند نزوله..كانت كما لم يواجهها دين من قبل..موروث طويل من الوثنية..وأقوام لا يرون عبادة أفضل من عبادة الأوثان..وفترة من الرسل أطالت على الناس الأمد فقست قلوبهم وأصبح كثير منهم فاسقين..وأهل كتاب قد سيطرت الوثنية على كتابهم ودينهم حتى مسخته..وجعلت منه نسخة من الديانات الوثنية القديمة..بكل حماقة الوثنية وجهلها وإغراقها في الأساطير..فأصبحت الديانة السماوية السابقة مباشرة(المسيحية) تقف على مسافة متساوية مع الوثنية ضد الإسلام..وديانة سماوية أخرى..منغلقة إلى حد بعيد..يرى أتباعها أنهم أحق بالإله من الجميع..ولا يدعون أحداً إلى دينهم..فلا خارج من اليهودية ولا داخل إليها..ويكتمون علمهم عن الناس أجمعين..وعلى نصف شعب الديانة..فهي حكر على المعتنقين..قد تمكنت الوثنية منها حتى جعلوا لربهم إبناً و وصفوه بصفات الوثنية الأقدم على الأرض..
كان للكفر دولة..وللوثنية دولة..ولأهل الكتاب الغارقين في الوثنيات دولة..وكل من كان يثور على معتقد دولة منهم له من ويلات الجحيم جرعة..أو جرعات..ومذابح ومؤامرات..فكان النصارى المثلثة..الذين حرفوا دينهم لوثنية قديمة وأخذوا التثليث من ديانة مصر القديمة الوثنية..وجعلوا ميلاد المسيح في يوم عيد الشمس للسنة الشمسية..وهو عيد مصري وثني قديم..وجعلوا من نبيهم إبناً للإله وثالث ثلاثة طبقاً للوثنية المصرية القديمة..كانوا يقيمون المذابح للأريوسيين الموحدين..والنساطرة من بعدهم..الذين أنكروا ألوهية المسيح والروح القدس ووحدوا الله وأنكروا شركاءه المزعومين..وأقروا بإنسانية المسيح ونبوته فقط..وأنكروا مريم العذراء أماً لله..وعرفوا حق ربهم وقدروه حق قدره..
وكانت اليهود من قبلهم يقيمون المذابح لكل من أتى يصلح ما بدلوه من دينهم وما أدخلوه من أساطير ووثنيات على الإعتقاد..حتى قتلوا أنبياءهم وأقاموا على قبورهم ولائم وإحتفالات..
كان الإسلام وحيداً في كل هذا التيه الذي على الأرض..كان الهدف في البداية هو مخاطبة العقل..لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..حتى يصبح للعقل دولة تستطيع بها مجابهة الدول الغاشمة التي تتسلط بالقوة على العقلاء..وكان بعد أن تمكن الإسلام من مخاطبة العقول ووضع أسس العقل والعلم والفهم والفطرة..وأقام عليها دولة العقل..كان لابد له كخاتم الديانات..ولنبيه كخاتم الأنبياء..وكشريعة سيحشر عليها الناس..وكعقيدة ستواجه الإلحاد بالفطرة..والجدال بالبرهان..وسيأتي من بعدها مدعون للنبوة ثلاثون..وسيأتي بعدها من يدعي التطور وأزلية الكون..وأمم يسكنون في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ولا يعتبرون..كان لابد له أن يصنع السور الذي يحمي به الحصن من الزحف الوثني الذي قضى على سابقيه من عقائد التوحيد..وهذا السور الذي بناه بناه بلبنات شداد..نطاق من الحماية بعد نطاق..وسور بعد سور بداية من حفظ الكتاب ووصولاً إلى حد الردة..وهو بيت القصيد..
نعم حد الردة هو حصن من زحف الوثنية..بغير إكراه في الدين..فكيف ذلك؟؟
هنا نبدأ في طرح أسئلة تمهيدية نتعرف من خلالها على الإجابة
أولاً: هل يقبل الإسلام التعايش مع الديانات الأخرى السماوية؟؟
الإجابة نعم ولأهل الذمة أحكامهم في الشريعة وأمانهم على أموالهم وأعراضهم ودمائهم وشعائرهم ما إلتزموا عهدهم مع المسلمين
ثانياً: هل يقبل الإسلام وجود الملل الأخرى على أرضه..؟؟
الإجابة نعم ولهم أمانهم في الإسلام ما إلتزموا المسالمة وأمنت الفتنة منهم..
ثالثاً :هل يقبل الإسلام بوجود المحاربين في دياره..؟؟
الإجابة  لا..لايقبل الإسلام بوجودهم لأنهم أصل الفتنة والخيانة..كذلك كل أمم الأرض من غير المسلمين لا يقبلون بوجود المحاربين..فليس من أمة تعادي أمة وتترك أفراداً منها يحيون في أراضيها ويختلطون بسكانها أماناً من التجسس وأماناً من إشاعة الذعر والفوضى حال الحرب..أو التخريب الداخلي وزرع الفتن حال الهدنة..كل هذا يقف فيه الإسلام وكل أمم الأرض على قدم المساواة..بل عند جل أهل الأرض إذا ثبتت الخيانة في حال الحرب على واحد من أهل الدار فإنه يقتل..وهو من نفس القوم والأهل والملة والدين..
رابعاً :هل يقبل الإسلام وجود أفراده على أرض المشركين المحاربين؟؟
الإجابة لا..ويأمر الإسلام أهله بالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام..أما إذا كان موطنه أرض مشركة ولكنها دار سلام مع المسلمين فلا مانع ما أمن الفتنة في دينه.
خامساً: هل يرسل المسلمون الجنود وراء كل من خرج من الإسلام ولحق بديار المشركين ليحيا فيها ليقتلوه..
الإجابة لا..لم يفعل هذا المسلمون ولا رسول الله ولا أصحابه..فعبيد الله بن جحش هاجر مسلماً إلى الحبشة فتنصر ومات هناك ولم يرسل في طلبه رسول الله وغيره ممن فعل هذا لم يرسل رسول الله في طلبهم..
سادساً :هل يقبل الإسلام بوجود المنافقين أو المتخفين بحقيقة دينهم المخالف للإسلام على أرضه؟؟
الإجابة في السؤال نفسه..فهؤلاء من الطبيعي أن يكونوا مختفين غير ظاهرين..فهم متخفون بإعتقادهم حتى لو كان كفراً وإلحاداً أو تنصرأ أو تهوداً..ولا يظهر منهم عداء ٌ للإسلام..وهم بهذا معصومون بعصمة المسلمين في المجتمع..أما من تبدو من فمه البغضاء للإسلام والمسلمين..فهو محارب ليس من المنافقين وليس من المسلمين وليس من المسالمين..فهذا إن رجعنا إلى أي عقل منصف أو دولة منصفة فهو لا يقبله على أرضه..فإما أن يهاجر إلى ديار مشركة يفعل فيها ما يشاء..وإلا فعليه ما على الخائن والمحارب..والقول بأن المرتد عن دين الإسلام بين المسلمين ليس معادياً ولا محارباً..هو قول غير صحيح..فليس هناك من مرتد..يرتد عن دينه ولا يشع ردة على من حوله..ولا يلبث هؤلاء حتى يبدأوا في بث السموم في المجتمع من أفكارهم ومحاولاتهم الدائمة لإنتقاد التعاليم بما إستقر في أنفسهم ودفعهم للردة..فهم معادون بكل الصور للإسلام..والقول بأنهم غير معادين للإسلام يعني بالضرورة إخفائهم لإعتقادهم..فهم كالمنافقين..يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر..وهؤلاء وجودهم لا يمثل شراً على الإسلام..من هنا تكون إجابة السؤال السادس هي نعم يقبل الإسلام وجودهم على أرضه ولا يقبل ظهورهم على السطح ومجاهرتهم بالكفر..وحسابهم على الله..فقد قال النبي.."أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله..فمن قالها فقد عصم دمه وماله وحسابه على الله"..
فنحن نقبل أن نسمع منهم الكلمة يظهرونها يعصمون بها دماءهم..على ألا يبدوا منهم بعدها كلمة الكفر..وحسابهم على ما أسروا في أنفسهم على الله..أما إن بدأوا في نفث العداء السافر فشأننا كمسلمين كشأن سائر أمم الأرض..قتل المحاربين..
وحد الردة بعد دخول الإسلام ليس إكراهاً على الدين..بل هو حفظ المجتمع بقوة القانون..فمن شاء أن يكفر..فإما يستخفي بكفره داخل المجتمع خشية القانون..أو يخرج إلى مجتمع أخر لن يلحق به أحد هناك ما لم يكن معاهداً للمسلمين..فالعهد يمنعه من الخوض في الإسلام أيضاً..وله من ديار المحاربة متسع يأوي إليه ما إستطاع..أما أن يكون الأمر كما يدعو إليه العلمانيون..أن يرتد عن الدين كل مرتد ونتركه يحيا بحرية بين المسلمين فهذا القول من العقل بمكان سحيق..فإنه ما جاهر بكفره بالإسلام إلا ليتكلم فيه ويخوض في تعاليمه ناشراً سموم الفكر بين الناس..ومن حق الأمة المسلمة وولي الأمر المسلم أن يحفظ الأرض والرعية من مثله..فإنه لو لم يرد أن يتكلم وينتقد لأخفى معتقده..فهو محارب ثابت القدم على أرض المسلمين..وليس من العقل ولا من الحكمة قبوله بين صفوف المسلمين..فلمن يكون ولاء مثله حال الحرب؟؟..أيكون للمسلمين أصحاب الأرض..أم لمحاربيهم الملحدين؟؟..للقارئ أن يجيب على هذا السؤال..
والباب الذي فتحه الذين من قبلنا على أنفسهم فزحفت منه الوثنية هو هذا الباب..إختلفوا على نبيهم وكتابهم فتفرقوا وبدلوا وغيروا..ولم يكن المرتد عندهم محكوم عليه بالهجرة من الديار أو القتل..بل تركوهم يحيوا بينهم مجاهرون بنقد دينهم ودحض حججهم..فخرج من الدين مفتوناً من خرج..وشك من شك..ومن بقي فإنه بدل تعاليم دينه بما يوافق أهل الشرك كي يسلم من إنتقادهم ويريح نفسه..وإستساغ المهمة من بقي على الدين في أن يبدل الأحكام كلما ألجأته الظروف والضغوط..أو ربما ألجأته السلطة والمال..فتبدلت الديانات وأصبحت الوثنية هي المسيطرة على جل ديانات الأرض..
أتى الإسلام فحكم حكماً واحداً..حد الردة..فأغلق ذلك الباب..وعلينا أن نتخيل رجلاً مرتداً ذا بيان ولسان..خرج من الإسلام وبقي في ديار الإسلام..ينتقد ويلغو ويهزأ بالتعاليم..وينشر فيمن حوله ما أخرجه من دينه..ولو خرج نفس الرجل إلى ديار غير المسلمين..ومن لهم مع الإسلام عداء..فتكلم بنفس كلامه..أيهما أقل ضرراً على المجتمع المسلم..؟
فإن شئت فقل أن حد الردة هو حكم على المرتد بالنفي والخروج والهجرة..وإلا فالقتل..أو العودة إلى الإسلام ولو بالكلمة فقط لعصمة الدم والمال..مع الأمان من فتنته في المجتمع وحساب سريرته على الله..فإن عدتم عدنا..
مشكلة المسلمين اليوم هو ان الإسلام جاء بعد المسيحية..والتي كانت بحد ذاتها إصراً وضع على بني إسرائيل..فبنو إسرائيل كانوا مكرهين بقوة التشريع الإلهي المسيحي على التسامح..والغفران..والتعامل بصفاء مصطنع مع الأعداء..ومكرهين غير راضين عن مباركة اللاعنين..وعندما جاء الإسلام بالحكم الصحيح الموافق للفطرة والعقل والحكمة..وجد لغواً من المتدينين بالتسامح..حرباً على الإسلام وليس إقتناعاً بشريعة التسامح..و تكلموا بإعتبار أن شريعة التسامح ومباركة اللاعنين..هي الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الحياة..بل هو الأساس الوحيد الذي يتفق مع العقل والفطرة والحكمة والضمير..وهذا محض هذيان..فالتسامح الجبري إصر وليس أصل للتعامل في الحياة..التسامح بالإختيار هو الذي يعطي القيمة..وليس الجبر..فليس من العقل والفطرة والحكمة أن يترك الإنسان ثأره..ولا يقتص ممن ظلمه..طاعة لله..بل ليس هذا مراد الله في الإنسان..ما كان هذا إلا إصر لتقويم النفوس ومعاقبتها فترة..حتى يأتي الدين الجديد –الإسلام-ويمحو الإصر ويرفع الأغلال..ولكن النصارى رفضوه..وإتخذوا من الإصر ديناً..فلا هم  تحملوا الإصر..ولا إرتضوا الدين الذي رفع الإصر..بل خرجوا إلى الوثنية وبئس الخروج..
الحاصل هنا أنه لاغضاضة في العقل والضمير السليم..من حد الردة..لا سيما إذا إستوفى شروطه ولعلها آخر مانختم به..
فالردة هي كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختاراً بعد الوقوف على الدعائم وإلتزامه أحكام الإسلام..ويكون ذلك بصريح القول أو الفعل أو الترك..ولا يجب الحد إلا بإستيفاء خمسة شروط..هي التكليف والإختيار وإرادة الكفر والعلم بالحال والحكم..فهذه الشروط تقضي على مستوفيها بالردة..وتجعله  كافر حربي لا محالة..فالمرتد لا يرتد أبداً ويكون مسالماً لأهل الديانة التي إرتد عنها..بل محارباً لها بكل طريق ومجاهداً لدعوتها بكل حال..فلا جرم أن يكون الحكم الذي يرتضيه العقل والحكمة هو كما ورد شرعاً..القتل.