الجمعة، 11 يوليو 2014

السقوط في فخ الزمن

لقد وقعنا في الفخ..
خطرت علي رأسي هذه الجملة عندما قرأت مقالاً يتحدث كاتبه عن مقولة لرجل ممن يعدون من الصفوة الفكرية الأن..المقولة هي"إن الله لم يتكلم من 1400 عام"..ووجدته يسوق كلاماً عجيباً يستدل به علي صحة هذا الهراء..وبدأت أفكاره تتداعي حتى تكلم عن أفكار هي أقرب للتعطيل..ولم أكن أتصور أن هذا الفكر الذي "عفا عليه الزمان" لا يزال يجد من يردده بمنتهى الحماقة وكأن تطور العلوم لم يرتقي بالعقول أو يطورها..ولكن العيب ليس في العلوم علي كل حال..وإنما في الأهواء التي إنحطت بأصحابها إلي نكسة بعيدة المدى كنكسة التعطيل..والسبب في نظري لهذا الفكر ككل..قديماً وحديثاً..هو الفخ الزمني..فسقطت عقول المعطلة قديماً في هذا الفخ..لكن المدهش حقاً أن عقول المفكرين في القرن الواحد والعشرين تقع في نفس الفخ..
فالزمن هو المعضلة الأكثر تعقيدا في هذا الموضوع..لأننا أسرى في الزمن ولا نستطيع الخروج منه ووصف أي شيء خارج إطاره..لأن أعمارنا نفسها هي الزمن الذي نعيشه..والخروج منه معناه الخروج من الحياة نفسها..ولأننا لا نملك مفردات نتكلم بها عما هو خارج إدراكنا..وشعورنا وتجربتنا..وبرغم هذا يمكننا أن نفهم ونعرف ونستنتج ونقترب من الحقائق وراء الادراك..
قلنا إن الزمن هو المشكلة..لأن الزمن الذي نعرفه هو عمرنا.. يمر بالإنتقال من حال إلي حال..نستوعبه بالتقلب بين الماضي والحاضر..فأنت مثلاً قرأت السطور السابقة وهذا ماضي..والأن تقرأ كلاماً أخر حاضراً ليصبح في السطور القادمة ماضي..وهكذا هو الزمن..إلي أن ينتهي العمر فنخرج من الزمن..وما نراه ساعات طويلة يصبح كلحظة..تماماً مثل النوم..تمر فيه الساعات ولا نشعر بها لتوقف إستيعابنا للأحداث وتغيرها من حال إلي حال..وندركه عند الإستيقاظ بإنقلاب الليل إلي نهار..أو رصده علي عقارب ساعة..
فهل هذا الحال جائز مع الله ؟؟
بالطبع لا..ولنقترب من الفكرة..يجب علينا فهم بعض المعطيات التي نعرفها عن الله..مما قاله الله عن نفسه..كأن يقول أنا الدهر..أي أن الله هو الزمن..وسباب الزمن هو إساءة لله نفسه..وعلمه للغيب المستقبلي وتدبيره..فماذا نستطيع أن نستنتج من هذه المعطيات؟؟
الواقع أنه يمكننا القول أن الزمن هو وجود نسبي..يحاكي الوجود المطلق الذي هو" الله " ولكنه له بداية وله نهاية- عكس الوجود الإلهي الأزلي الأبدي -وما بين البداية والنهاية نطلق عليه زمن..وتصبح كل حركة من البداية ماضياً كلما إتجهنا نحو النهاية..وبناءأ علي ذلك فإن الله كما نؤمن به كمسلمين..هو الدهر الأزلي الأبدي..أي لا بداية  له ولا نهاية..وكل الخلق منذ نشأة الكون إلي قيام الساعة..هو جزء منه يبتدي وينتهي..والمسافة بين هذه البداية وتلك النهاية تسمى"زمن"..وعليه..فنحن نؤمن أنه لا يجوزعلى الله أن يخضع لقوانين الزمن التي تأسرنا رغماً عنا..هكذا خلقنا الله ولا مفر لنا..أما هو فلا يتغير ولا يتبدل من حال إلي حال..وليس له ماضي..لذا فإنه لا يصح أصلاً- إن أفلتنا من الفخ الزمني -أن نقول أن الله سكت عن الكلام منذ كذا وكذا..أو توقف عن فعل ما مثل ما يتم تداوله علي ألسنة المعطلة..لأن هذا يعني بالضرورة الإنتقال بين الأحوال والماضي والحاضر..لذلك فإن معتقد أهل السنة أن الله لا يزال فاعلاً..لا يزال متكلماً..
وربما أستشهد هنا بكلمات رجل غير مسلم..يتكلم مستنداً إلي منهج عقلي بحت بعيداً عن المعتقدات الدينية الإسلامية..أو أقوال أهل السنة..لعل هذا يقرب الفكرة أكثر..ففي كتابه"الزمن والخلود "يقول" براين  ليفتو"..إن مفهوم الإله الموجود خارج الزمان وخارج المكان..يتمشى مع نظرية النسبية الخاصة لأينشتين..والتي تنظر للوجود بإعتباره رباعي الأبعاد..وأن الزمن هو بعده الرابع..مع الأبعاد المكانية الفراغية الثلاث..ومن ثم..فإن الإله الذي لا يحده المكان..ينبغي أن يكون خارج الزمان..ويعيننا إدراكنا لوجود الإله خارج الزمان..على التوصل إلي الكثير من صفاته..فوجوده خارج الزمان معناه أنه لا ينسى..فنحن ننسى ما حدث في الماضي..والإله لا ماضي عنده..ويعني ذلك أيضا أنه لا يتوقف عن الفعل..فالتوقف عن فعل ما..يعني إنتهاء زمن هذا الفعل..وهكذا
كذلك قولنا بأن هذا الإله خارج الزمان معناه أن كل شيء يفعله..فإنه يفعله لحظياً..فهو لا يفعل شيئا قبل شيء..ولكن قد تظهر لنا بعض أفعاله قبل البعض الأخر..
إنتهى من كتاب الزمن و الخلود..
من هنا نقول أن فكر التعطيل عبارة عن فراغ فكري و ضيق أفق أقرب للمراهقة العقلية..لا تستقيم في الفكر السليم فضلاً عن الإعتقاد..سقط في هذا المستنقع..المعطلة قاصري العقول..وسقط فيه بعض مفكري القرن الواحد والعشرين بسذاجة عقول وسماجة فكر وسطحية فهم..أو رفضاً وعناداً لعلماء الإسلام أو من ينتسبون بشكل أو بأخر للعلوم الشرعية..ولا معنى لحماقتهم هذه إلا السقوط في فخ الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق